وامْتِحَان أهْل الفَتْرَة الذين لَم تَبْلُغُهم الدَّعْوة ثَابِت، ومَا قِيل:"مِنْ أنَّ الآخِرَة لَيْسَت دَار تَكْلِيف" فِيه نَظَر؛ فإنَّ مَا وَرَد في الْحَدِيث مِنْ امْتِحَان مَنْ لَم تَقُم عَليه الْحُجَّة لَيس مِنْ بَاب التَّكْلِيف، بَلْ هو امْتِحَان واخْتِبَار في فَتْرَة قَصِيرَة، ولا يُعَكِّر عليه كَوْن الآخِرَة لَيْسَت دَار تَكْلِيف، لأنَّ الْحُكْم للغَالِب. ألَا تَرى أنَّ أهْل الْجَنَّة يُلْهَمُون التَّسْبِيح والتَّحْمِيد والتَّهْلِيل (١)؛ وهُم في دَار الْجَزَاء ولَيْسُوا في دَار عِبَادَة.
قال ابن حجر عن هَذا القَوْل: وتُعُقِّب بِأنَّ الآخِرَة لَيْسَت دَار تَكْلِيف، فلا عَمَل فِيها ولا ابْتِلاء. وأُجِيب بِأنَّ ذلك بَعْد أن يَقَع الاسْتِقْرَار في الْجَنَّة أو النَّار، وأمَّا في عَرَصَات القِيَامَة فلا مَانِع مِنْ ذلك، وقَد قَال تَعالى:(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ)[القلم: ٤٢] وفي الصَّحِيحَيْن (٢) أنَّ النَّاس يُؤمَرُون بِالسُّجُود فَيَصِير ظَهْر الْمُنَافِق طَبَقًا فلا يَسْتَطيع أن يَسْجُد (٣).