سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أنَهْلِك وفِينَا الصَّالِحُون؟ قال: نَعَم، إذا كَثُر الْخَبَث (١).
ولا يَكْثُر الْخَبَث والفَسَاد إلَّا في ظِلِّ غِيَاب الْمُصْلِحِين، إذ أنَّ وُجُود الصَّالِحِين لَيس كَافِيًا في النَّجَاة، فلا بُدّ مِنْ وُجُود الْمُصْلِحين، كَمَا قال تعالى:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هود: ١١٧].
فالله لا يَأمُر الْمُتْرَفِين بالفِسْق، وإنَّمَا يُمْلِي لَهم، ويُمَكِّنُهم مِنْ فِعْل ذلك.
وجَوَاب آخَر، وهو أنَّ الله أمَر الْمُتْرَفين بِالطَّاعَة، فَعَصَوا، فَكَأن الأمْر صَارَ سَببًا في اسْتِحْقَاقِهم العَذَاب، وذلك بِسَبَب مُخَالَفَتِهم وفِسْقِهم، وهو الْخُرُوج عن الطَّاعَة؛ فَعَلى هذا يكون أمْرًا شَرْعِيًّا. إلَّا أن ابن القيم لم يرتضِ هذا الجواب، فقال: ولا حَاجَة إلى تَكَلّف تَقْدِير: أمَرْنا مُتْرَفِيها فِيها بالطَّاعَة، فَعَصَونا وفَسَقُوا فِيها، بل الأمر ههنا أمْرُ تَكْوين وتَقْدِير لا أمْر تَشْرِيع (٢). ثم ذَكَر أوْجُه ضَعْف القول بأنه أمْر شَرْعِيّ.