قال ابن عطية: وكَان أبي - رَحِمَه الله - يَمِيل إلى هَذا القَول ويُرَجِّحه، وبه أقُول والله تعالى أرْحَم بِعِبَادِه مِنْ أن يَنْخَرِم في هذا التَّائب الْمَفْرُوض (١) مَعْنَى قَوله: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) وقَوله تَعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ).
ورَجَّح القرطبي "أنَّ اللمْسَة والنَّظْرَة تُكَفَّر بِاجْتِنَاب الكَبَائر قَطْعًا بِوعْدِه الصِّدْق وقَولِه الحقّ، لا أنه يَجِب عَليه ذَلك" (٢).
ثم قَال في قَوله تَعالى: (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) [النساء: ١٧]: السُّوء في هَذه الآيَة و "الأنْعَام" (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ) يَعُمّ الكُفْر والْمَعَاصِي، فَكُلّ مَنْ عَصَى رَبَّه فهو جَاهِل حتى يَنْزَع عن مَعْصِيَتِه.
قال قتادة: أجْمَع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أنَّ كُل مَعْصيَة فَهي بِجَهالة عَمْدًا كَانَتْ أو جَهْلًا. وقاله ابن عباس وقتادة، والضحاك، ومجاهد، والسّدي.
ورُوي عن الضحاك ومجاهد أنهما قالا: الْجَهَالَة هُنا العَمْد.
وقَال عكرمة: أمُور الدُّنْيا كُلّها جَهَالَة. يُرِيد الْخَاصَّة بِها الْخَارِجَة عن طَاعَة الله.
وهذا القَول جَارٍ مَع قَوله تَعالى: (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) [محمد: ٣٦]، [الحديد: ٢٠].
وقَال الزَّجاج: يَعني قَولَه: (بِجَهَالَةٍ): اخْتِيَارهم اللذَّة الفَانِيَة على اللذَّة البَاقِية (٣).
وقَال: قَوله تَعالى: (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) [النساء: ١٨] قال ابن عباس والسدي: مَعْنَاه قَبْل الْمَرَضَ والْمَوْت.
ورُوي عن الضحاك أنه قال: كُلّ مَا كَان قَبْل الْمَوْت فَهو قَرِيب.
وقال أبو مجلز والضحاك أيضًا وعكرمة وابن زيد وغيرهم: قَبْل الْمُعَايَنَة للمَلائكَة والسَّوْق، وأن يُغْلَب الْمَرْء على نَفْسِه (٤).
(١) يعني: الْمُعيَّن.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٥/ ١٥١).
(٣) المرجع السابق (٥/ ٨٨، ٨٩) باختصار.
(٤) المرجع السابق (٥/ ٨٩).