والمعنى وَوَدّوا أن لا يَكْتُمُوا الله حديثًا. والدليل على صحة هذا القول أنه روي عن سعيد بن جبير في قوله:(وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) قال: اعْتَذَرُوا وحَلَفُوا. وكَذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة. ورُوي عن مُجاهد أنه قَال: لَمَّا رَأوا الذُّنُوب تُغْفَر إلَّا الشِّرك، والنَّاس يُخْرَجُون مِنْ النَّار إلَّا الْمُشْرِكِين قال (١)(وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)(٢).
وقال السمعاني في قَوله تَعالى:(وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) فإن قِيل: قَدْ أَخْبَر هَاهُنا أنهم لا يَكْتُمُون الله حَدِيثًا، وذَكَرَ في مَوْضِع آخَر قَولهم:(وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، فَقَد كَتَمُوا فَكَيف وَجْه الْجَمْع؟
قِيل: قَال الْحَسَن البَصْري: وهَذا في مَوْطِن وذَاك في مَوْطِن آخَر، وفي القِيَامَة مَوَاطِن، وهَذا جَواب مَعْرُوف أوْرَدَه القَتيبي في مُشْكِل القُرآن.
وقِيل: مَعْنَاه يَوَدُّون ألا يَكْتُمُون الله حَدِيثًا، وذَلك أنهم يَقُولُون:(وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، ونَحْو ذَلك، فَيَخْتِم اللهُ عَلى أفْوَاهِهم ويُنْطِق جَوَارِحَهم فَيَودُّون أنهم لم يَكْتُمُوا الله حَدِيثًا، فَهو رَاجِع إلى قَوله:(يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا).
وقِيل: مَعْناه: لا يَقْدِرُون أن يَكْتُمُوا اللهَ حَدِيثًا (٣).
وقال في قَوله تَعالى:(قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا)[الأنعام: ٣٠]، فَيُقِرُّون بها. قال ابن عباس: هذا في مَوْقِف، وقَوله:(وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) في مَوقِف آخَر، وفي القِيَامَة مَوَاقِف، فَفِي مَوْقِف يُنْكِرُون، وفي مَوْقِف يُقِرُّون (٤).
(١) كذا في الأصل، والصواب: قالوا. (٢) معاني القرآن، مرجع سابق (٢/ ٤٠٨) وقول مجاهد هذا هو قول ابن عباس كما تقدّم. (٣) تفسير القرآن، مرجع سابق (١/ ٤٣٠). (٤) المرجع السابق (٢/ ٩٨).