ويَدُلّ على أنَّ هَذا كَان بَعْد خَلْق آدَم ما جَاء في الرِّوَاية الثَّانِية، وفيها: لَمَّا خَلَق اللهُ آدَم ونَفَخَ فِيه الرُّوح عَطَس، فقال: الْحَمْد لله، فَحَمِد الله بإذْنِه، فقال له رَبُّه: رَحِمَك الله يا آدَم. اذْهَب إلى أولَئك الْمَلائكَة - إلى مَلإٍ مِنْهم جُلُوس - فَقُلْ السَّلام عَليكم، قَالُوا: وعَليك السَّلام ورَحْمَة الله، ثم رَجَع إلى رَبِّه، فَقال: إنَّ هَذِه تَحِيَّتُك وتَحِيَّة بَنِيك بَيْنَهم، فَقَال اللهُ لَه، ويَدَاه مَقْبُوضَتَان: اخْتَر أيهُمَا شِئت. قال: اخْتَرْتُ يَمِين رَبِّي، وكِلْتا يَدَيّ رَبِّي يَمِين مُبَارَكة، ثم بَسَطَها فإذا فِيها آدَم وذُرِّيَّتُه، فقال: أيْ رَبّ! ما هؤلاء؟ فقال: هَؤلاء ذُرِّيَّتُك (١).
والقَول بالتَّقْدِيم والتَّأخِير مُتَّجِه، أي أنَّ الْمَعْنى: أنَّ الله خَلَق آدَم عليه السَّلام، ثُمَّ قَال للمَلائكَة: اسْجُدُوا لآدَم، ثُمّ صَوَّر بَنِي آدَم.
قال الفَيّومي:(ثم) حَرْف عَطْف، وهي في الْمُفْرَدَات للتَّرْتِيب بِمُهْلَة. وقَال الأخْفَش: هي بِمَعْنى (الواو)، لأنها اسْتُعْمِلَتْ فيما لا تَرْتِيب فِيه، نَحو: وَالله ثُمَّ وَالله لأفْعَلَنّ .... وأمَّا في الْجُمَل فلا يَلْزَم التَّرْتِيب، بَلْ قَدْ تَأتي بِمَعْنى (الواو)، نَحْو قَوله تَعالى:(ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ)[يونس: ٤٦] أي: والله شَاهِد عَلى تَكْذِيبِهم وعِنَادِهم، فإنَّ شَهادَة الله تعالى غير حَادِثة، ومِثْله:(ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا)[البلد: ١٧](٢).
(١) رواه الترمذي (ح ٣٣٦٨). وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ٥٢٠٩). (٢) المصباح المنير (١/ ٨٤) بتصرّف يسير.