وقيل: الْمَعْنَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ) يَعْني آدَم عليه السلام، ثم قُلْنا للمَلائكَة: اسْجُدُوا لآدَم، ثم صَوَّرْنَاكُم على التَّقْدِيم والتَّأخِير.
وقيل:(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ)، يعني آدَم، ذُكِر بِلَفْظ الْجَمْع لأنه أبو البَشَر، ثم صَوَّرْناكُم رَاجِع إليه أيضًا، كَمَا يُقَال: نَحْن قَتَلْنَاكُم، قَتَلْنَا سَيِّدَكُم.
(ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) وعلى هذا لا تَقْدِيم ولا تَأخِير، عن ابن عباس أيضًا.
وقِيل: الْمَعْنَى: خَلَقْنَاكُم في ظَهْر آدَم ثُمّ صَوَّرْناكُم حِين أخَذْنَا عَليكُم الْمِيثَاق. هذا قَول مجاهد، رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح.
قال النحاس: وهذا أحْسَن الأقْوال: يَذهب مُجَاهِد إلى أنه خَلَقَهم في ظَهْر آدم، ثم صَوَّرَهم حين أخَذ عَليم الْمِيثَاق، ثم كَان السُّجُود [لآدَم](١) بَعْدُ.
ويُقَوِّي هذا:(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)[الأعراف: ١٧٢] والْحَدِيث: أنه أخْرَجَهم أمْثَال الذَّر فَأخَذَ عليهم الْمِيثَاق (٢).
(١) ما بين المعكوفتين زيادة من "مَعاني القرآن". (٢) معاني القرآن (٣/ ١٣)، ويُشير النّحّاس إلى الحديث الذي رواه مالك (ح ١٥٩٣) عن مُسلم بن يَسار الجهني أنَّ عُمَر بن الخطاب سُئل عن هذه الآية: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)، فقال عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله عز وجل خَلَق آدَم ثُمّ مَسَحَ ظَهْرَه بِيَمِينِه، فاسْتَخْرَج مِنه ذُرّية، فقال: خَلَقْتُ هَؤلاء للجنَّة وبِعَمَلِ أهل الجنة يَعْمَلُون، ثم مَسَحَ ظهره، فاستخرج منه ذرية، فقال: خَلَقْتُ هؤلاء للنَّار وبِعَمَلِ أهْل النَّار يَعْمَلُون .... الحديث. ومن طريق مالك رواه أحمد (ح ٣١١)، وأبو داود (ح ٤٧٠٣)، والترمذي (ح ٣٠٧٥)، والنسائي في الكبرى (ح ١١١٩٠). قال الترمذي: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلًا مجهولًا. وقال محققو المسند: صحيح لغيره. وروى الترمذي (ح ٣٠٧٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: لَمَّا خَلَق الله آدَم مَسَح ظَهْرَه فَسَقَطَ مِنْ ظهره كُلّ نَسَمَة هُو خَالِقها مِنْ ذُريتِه إلى يَوم القيامة .... الحديث. وسيأتي تخريجه.