ويقولُ شاه ولي الله الدهلوي: "إذا كان إنسانٌ جاهلٌ في بلادِ الهند أو بلادِ ما وراء النهرِ، وليس هناك عالمٌ شافعي ولا مالكي ولا حنبلي، ولا كتابٌ مِنْ كتبِ هذه المذاهبِ، وَجَبَ عليه أنْ يُقلِّدَ مذهبَ أبي حنيفةَ، وَيحْرُم عليه أنْ يخرجَ عن مذهبِه؛ لأنَّه حينئذٍ يخلعُ ربقةَ الشريعةِ، ويبقى سُدًا مُهْمَلًا" (٢).
السابعة: وهي متصلة بالسادسة: إذا كان لدى المتمذهب أهليةُ النظرِ في الأدلةِ، ومعرفة القولِ الراجحِ، لكنَّه نَشَأَ في بيئةٍ يغلبُ على أهلِها الالتزامُ بالمذهبِ، ومحاربةُ مَنْ يخرجُ عنه، ورأى أن المصلحةَ تقضي عدمَ معارضةِ أربابِ مذهبِه: فعليه الأخذُ بما ترجّحَ عنده، ثمَّ يسعى إلى تخريجِ الرأي الذي توصّلَ إليه على أصولِ مذهبِه أو فروعِه ما أمكن؛ لتتحققَ له مصلحتانِ: اتباعُ القولِ الراجحِ، وعدمُ مخاصمةِ أربابِ مذهبِه.
الثامنة: إذا ترقّى المتمذهبُ في العلمِ، وتأهل إلى النظرِ في الأدلةِ، ومعرفةِ القولِ الراجح، أو تحقق له الاجتهَادُ الجزئي في بعضِ المسائلِ: فالواجبُ عليه اتباعُ ما ترجّح عنده في المسائلِ التي تَنْزِلُ به، أو التي يُستفتى عنها، أمَّا فيما عداهما فهو في فسحةٌ مِنْ أمرِه، إذا لم يكن هناك نصٌّ في المسألةِ، ولم يظهرْ له خطأٌ إمامِه (٣).
وإذا تبيّنَ للمتمذهب الذي لم يتأهلْ للنظرِ في الأدلةِ خطأ إمامِ مذهبِه، فعليه تركُ قولِه، واتباع الصوابِ الذي بانَ له (٤).
(١) نشر البنود (٢/ ٣٥٢). وانظر: مراقي السعود إلى مراقي السعود (ص/ ٤٦٣)، ونثر الورود للشنقيطي (٢/ ٦٨٧ - ٦٨٨). (٢) الإنصاف في بيان سبب الاختلاف (ص/ ٣٤). (٣) انظر: منهاج السنة النبوية (٢/ ٢٤٤). (٤) انظر: التمذهب - دراسة تأصيلية واقعية للدكتور عبد الرحمن الجبرين، مجلة البحوث الإسلامية، العدد: ٨٦ (ص/ ١٧٨).