للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولُ الشيخُ محمد أبو زهرة: "إنَّ أهلَ النظرِ والإدراكِ، ومَنْ توفرت عندهم أدواتُ الاجتهادِ، لا يسوغ لهم أنْ يقلّدوا إمامًا في كل ما يقولُه - أو كلّ ما قالَ وقرر - مِنْ غيرِ ترجيحٍ بدليلٍ على دليلٍ ... مَنْ يتبع ذلك الاتباع، فقد خالفَ الأئمةَ الأربعةَ في أقوالِهم؛ لأنَّهم دعوا إلى عدم الأخذِ بأقوالهم مِنْ غيرِ معرفةِ أدلتِهم". (١).

التاسعة: يسوغُ للمتمذهب إذا لم يتأهلْ إلى النظرِ في الأدلةِ، أو كانت عنده الأهليةُ، لكنَّه لم يتمَكن مِن النظرِ، أو نَظَرَ ولم يتوصلْ إلى الراجِحِ، أو ضاقَ عليه الوقتُ، أو غمضتْ عليه سبلُ الاستنباطِ (٢): أنْ يأخذ بقولِ إمامِه - سواءٌ أعرفَ دليلَه أم لا - وذلك لجوازِ التقليدِ له في هذه الحالةِ.

ولشمسِ الدّينِ الذهبي كلامٌ جيّدٌ متصلٌ بمسألتنا، يقول: "مَنْ بَلَغَ رتبةَ الاجتهادِ، وشَهِدَ له بذلك عدّةٌ من الأئمةِ، لم يسغ له أنْ يُقلّدَ، كما أن الفقيهَ المبتدئَ والعاميَّ الذي يحفظُ القرآنَ - أو كثيرًا منه - لا يسوغُ له الاجتهادُ أبدًا؛ فكيفَ يجتهدُ؟ ! وما الذي يقولُ؟ ! وعلامَ يبني؟ وكيفَ يطيرُ ولمَّا يُرَيّش؟ !

والقسم الثالث: الفقيهُ المنتهي اليقظُ الفَهِمُ المحدّثُ الذي قد حَفِظَ مختصرًا في الفروعِ، وكتابًا في قواعدِ الأصولِ، وقَرَأَ النحوَ، وشارك في الفضائلِ، مع حفظِه لكتابِ الله وتشاغلِه بتفسيرِه ... فهذه رتبةُ مَنْ بَلَغَ الاجتهادَ المقيّد، وتأهلَ للنظرِ في دلائل الأئمةِ، فمتى وَضَحَ له الحقُّ في مسألةٍ، وثبت فيها النصُّ، وعملَ به أحدُ الأئمةِ ... فليتبعْ فيها الحقَّ ... ولا يسعه فيها بعد قيامِ الحجةِ عليه تقليدٌ" (٣).


(١) ابن حزم - حياته وعصره (ص/ ٢٣٧ - ٢٣٨).
(٢) انظر: عمدة التحقيق للباني (ص/ ٦٧).
(٣) سير أعلام النبلاء (١٨/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>