للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعرفُه أنَّ هذا هو الحقّ، حتى إذا أَدركَ مِن العلمِ ما قُيِّضَ له، وحصَّلَ منه ما قَسَمَ لله له، وأفلحَ وكان فيه محلٌ للنظرِ والاجتهادِ: انتقل إلى ذلك وأدركه" (١).

الرابعة: أنَّ الذين حاربوا التمذهبَ، توجه كلامُهم في الأساسِ إلى محاربةِ التقليدِ المذهبي، والتقليدُ عندهم: أخذُ القولِ دونَ معرفةِ دليلِه.

الخامسة: التعصّبُ المذهبي بكافّةِ صورِه وألوانِه غيرُ جائزٍ، والواجبُ الحذرُ منه، والتحذيرُ مِن الوقوعِ فيه، ولا بُدَّ مِن التفريقِ بينه وبين التمذهبِ.

ومَنْ أعطى إمامَه فوقَ المنزلةِ التي يستحقها، وجَعَلَ أقوالَه حاكمةً على الكتابِ والسنةِ، فقد وَقَعَ في التعصّبِ المذهبي المقيتِ (٢).

وليس يصحُّ المنعُ مِن التمذهبِ بحجةِ أنَّه تعصبٌ.

السادسة: أنَّ المصلحةَ لها أثرٌ في الترجيحِ في هذه المسألةِ - فالمصلحةُ دليلٌ مِن الأدلةِ - فقد يكون مِن المصلحةِ في قُطرٍ مِن الأقطارِ الإبقاءُ على التمذهبِ، وعلى قولِ إمامِ المذهبِ - أو ما استقر عليه المذهبُ - وذلك لتحقيقِ مصلحةٍ راجحةٍ في أقضيةِ الناسِ، وعدم خروجِهم إلى تتبعِ الرخصِ.

ويلحقُ بهذا، ما إذا كانَ العلماءُ في قطرٍ ما لم يطلعوا على المذاهبِ الأخرى، لعدمِ وصولِ مؤلفاتِ أربابِها إليهم، فيرونَ الإبقاء على ما عرفوه مِنْ مذهبِهم ممَّا لم يخالفْ دليلًا.

يقولُ عبد الله العلوي: "الظاهرُ أنَّ مذهبَ مالكٍ يتعيّن على جُل أهلِ المغربِ! إذ لا يكادُ يُوجدُ فيه أحدٌ يعرفُ فقهَ غيرِه مِن المذاهبِ الثلاثةِ الأخرى، ولا كتابَ مؤلِّفٍ في ذلك، وكذا يتعيّنُ مذهبُ أبي حنيفةَ في


(١) ترتيب المدارك (١/ ٦٣).
(٢) انظر: خطبة الكتاب المؤمل لأبي شامة (ص / ١٢٧)، وإمام الكلام للكنوي (ص/ ٣٤ - ٣٧)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>