للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحصيل هذين العلمين، فقد خَدَمَ أربابُ المذاهبِ مذاهبهم خدمةً فائقةً، وألَّفوا فيها كتبًا تختصرُ الطريقَ أمامَ الطالبِ، مع عنايتِهم بتحريرِ المسائلِ، والتفريقِ بين المتشابهاتِ، فمَنْ سَلَكَ طريقَ التمذهبِ، فقد ارتقى الدرجةَ الأُولى في العلمِ (١).

ثمَّ يتدرجُ في العلمِ، ويجعل مسائل المذهب على ثلاثةِ أقسام كما ذَكَرَ ذلك تقيُّ الدين بن تيمية في نصيحتِه لمنْ جاءَه مريدًا ترك مذهبِه، وقد ذكرتُها في صدرِ المبحثِ.

الثالثة: يمكنُ القولُ: إنَّ التمذهبَ سلاحٌ ذو حدين، فالتمذهبُ طريقٌ للتفقهِ والترقّي في العلمِ، وقد يصلُ بصاحبِه إلى درجةِ الاجتهادِ في الشريعةِ.

وقد يكونُ التمذهبُ طريقًا إلى الانغلاقِ في دائرةٍ مذهبيةٍ ضيقةٍ، بعيدةٍ عن معرفةِ الأدلةِ، مقتصرةٍ على التقليدِ والجمودِ المذهبي.

يقولُ القاضي عياض: "يلزمُ طالب العلم في بدايتِه في درسِ ما أصّله الأعلمُ مِنْ هؤلاءِ - أي: المجتهدين - وفرّعه، وحفظُه ما ألَّفه وجمعه، والاهتداء بنظرِه في ذلك، والميل معه حيثُ مالَ ... فسبيله أنْ يقلِّدَ مَنْ


(١) انظر: بدعة التعصب المذهبي لعباسي (ص/ ١١٢ - ١١٣) فقد نقل عن الشيخ الألباني أن دراسة الفقه تكون بتعلمه عن طريق أحد المذاهب الأربعة، ثم يتدرج في العلم، واستثنى من توفر لهم المناخ الصحي العلمي، كسلفي دمشق، فلا حاجة لهم إلى دراسة الفقه عن طريق أحد المذاهب الأربعة.
ويقول الشيخ مقبل الوادعي في: تحفة المجيب (ص/ ٢٣٨ - ٢٣٩): "أما الرجوع إلى زاد المستقنع، فأرى أن يرجع إلى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وفرق كبير وبون شاسع بين كتاب ربنا وسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين عبارات زاد المستقنع أو غيره من كتب الفقه! ... ". وكلام الشيخ مقبل وإن كان الباعث عليه الغيرة على نصوص الكتاب والسنة، إلا أن فيه تطويلًا للطريق أمام الطالب في سبيل تحصيل العلم.
وانظر: بدعة التعصب المذهبي لعباسي (ص/ ٦٢) فقد قرر عدم منعه من دراسة الفقه على الطريقة المذهبية، بشرط عدم التعصب للمذهب، وفي: (ص/ ١٩٩) بيّن أن الكتب الفقهية المذهبية تحوي الانحرافات والعيوب والمآخذ والأخطاء والسخافات والحماقات!
وكان الواجب عليه أن لا يعمم حكمه على كتب المذاهب، وأن يشير إلى خلو عدد منها من الانتقادات التي ذكرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>