المسائلِ التي حَصَلَ فيها نزاعٌ بين العلماءِ قديمًا وحديثًا، وأرى صعوبةً كبيرةً في إطلاقِ القولِ بترجيحِ أحدِ الأقوالِ في المسألةِ؛ لأنَّ المتمذهبين ليسوا على درجةٍ واحدةٍ، هذا من جهة.
ومِنْ جهةٍ أخرى: فإنَّ للتمذهبِ معنى واسعًا، قد يضيقُ عند بعضِ الناسِ؛ فيحارب المذاهبَ؛ بحجةِ محاربةِ التقليدِ المذهبي.
وسأذكرُ الراجحَ في ضوءِ النقاطِ الآتيةِ، (وممَّا يجدرُ التنبيه إليه أن بعضَ النقاطِ التي سأذكرُها قد لا يكون لها تعلقٌ مباشرٌ بالمسألةِ، وقد ذكرتُها؛ لأهميتِها):
الأولى: أن أيَّ دعوةٍ إلى نَبْذِ المذاهبِ الفقهيةِ المتبوعةِ، أو نَبْذِ كتبِ الفقهِ وأصولِه؛ بحجّةِ أنَّها آراء علماء، وأنَّها تربي على تقديمِ الأقوالِ على الأدلةِ: دعوى مردودةٌ؛ إذ ليس كلُّ كتبِ الفقهِ وأصولِه بهذه الحالة، بلْ إنَّ كتبَ المذاهب الأساسية - إلا ما قلَّ - لا تخلو مِنْ ذكرِ الأدلةِ؛ فكتبُ المذاهب طريقٌ إلى معرفةِ أدلةِ المسائلِ (١)، فالمذاهبُ الفقهيةُ مدارس فقهيةٌ لتفسيرِ النصوصِ الشرعيةِ، واستنباطِ الأحكامِ منها (٢).
يقولُ أبو إسحاقَ الشاطبي:"إذا ثَبَتَ أن الحقَّ هو المعتبرُ، دونَ الرجالِ، فالحقُّ أيضًا لا يُعْرَف دونَ وساطتهم، بلْ بهم يُتوصلُ إليه، وهم الأدلةُ على طريقِه"(٣).
الثانية: أن أيسرَ طريقٍ لتعلمِ الفقهِ وأصولِه هو التمذهبُ بأحدِ المذاهبِ الفقهية المتبوعة؛ لأنَّه أجمعُ الطرقِ وأحكمها، وأيسرها في
(١) من نماذج الدعوة إلى ترك كتب الفقهاء، وعدم الإفادة منها، ما يقوله مؤلِّف رسالة: (البيان والتفصيل في وجوب معرفة الدليل) (ص/ ١٥٦): " ... نكتفي ببعض كتب الحنابلة التي خدع الكثير بالعكوف عليها والتفقه فيها، وأهملوا التفقه في السنة الصحيحة". (٢) انظر: سبيل الجنة لأحمد آل بوطامي (ص/ ٧٦)، والوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان (ص/ ٤١١). (٣) الاعتصام (٣/ ٣٣٨).