يقولُ بدرُ الدّينِ الزركشي:"إنَّما نهوا المجتهدَ خاصّةً عن تقليدِهم، دونَ مَنْ لم يبلغْ هذه الرتبة"(٢).
ويقولُ ابنُ رجب:"مَنْ عَرَفَ ذلك - أيْ: الكتاب والسنة - وبَلَغَ النهايةَ مِنْ معرفتِه ... فهذا لا حجرَ عليه، ولا يتوجّه الكلامُ فيه، إنَّما الكلامُ في منعِ مَنْ لم يبلغْ هذه الغاية، ولا ارتقى إلى هذه النهايةِ، ولا فهم مِنْ هذا إلا النزرَ اليسير، كما هو حالُ أكثرِ أهلِ هذا الزمانِ"(٣).
الدليل السادس عشر: يُقالُ للمتمذهبِ المقلِّدِ لإمامِه: هل لك حجّةٌ فيما ذهبتَ إليه في تقليدِك قول إمامِك؟ فإن قال: نعم، فقد أَبْطَلَ التقليدَ؛ لقيامِ الحجةِ على القولِ. وإنْ قال: لا. قيل له: فَلِمَ أرقتَ الدماءَ وأبحتَ الفروجَ دونَ حجةٍ؟ فإنْ قال: أنَا أعلمُ أنِّي مصيبٌ، وإنْ لم أعرف الحجةَ؛ لأنِّي قلَّدتُ إمامًا، وهو لا يقولُ قولًا إلا بحجةٍ خفيتْ عليَّ. قيل له: إذا جازَ تقليدُ معلمِك؛ لأنَّه لا يقولُ إلا بحجةٍ خفيتْ عليك، فتقليدُ معلّم معلّمِك أولى؛ لأنَّه لا يقولُ إلا بحجّةٍ خفيتْ على معلمِك، كما لم يقلْ معلمُك إلا بحجةٍ خفيتْ عليك. فإنْ قال: نعم، تَرَكَ تقليدَ معلّمِ معلّمِه، ومَنْ هو أعلى حتى ينتهي إلى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإن قال: لا. قيل له: كيفَ يجوزُ تقليدُ مَنْ هو أصغرُ وأقلُّ عِلْمًا، ولا يجوزُ تقليدُ مَنْ هو أكبرُ وأكثرُ علمًا؟ ! هذا تناقض. فإنْ قال: معلّمي وإنْ كانَ أصغر، فقد جَمَعَ عِلْمَ مَنْ هو فوقه إلى علمِه، فهو أبصرُ بما علمَ، وأعلم بما تَرَكَ. قيل له: وكذلك مَنْ تعلّمَ مِن معلمِك، فقد جَمَعَ عِلْم معلّمِك، وعلمَ مَنْ فوقه إلى علمِه، فيلزمك تقليده، وترك معلمِك (٤).
(١) انظر: بلوغ السول لمحمد مخلوف (ص/ ٩٣)، وابن حزم - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ ٢٣٧ - ٢٣٨). (٢) البحر المحيط (٦/ ٢٨٠). وانظر: العقد الفريد للسمهودي (ص/ ٥٧). (٣) الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (ص/ ٣٨ - ٣٩). (٤) جاءت هذه المحاجة عن المزني، وقد ذكرها الخطيب البغدادي مسندة إلى المزني في: الفقيه =