ويقولُ الإمامُ أحمدُ:"لا تُقلّدْ دينك أحدًا مِنْ هؤلاءِ ... "(١)، ويقولُ أيضًا:"لا تقلدني، ولا تقلد مالكًا ولا الثوري ولا الأوزاعي، وخُذْ مِنْ حيثُ أخذوا"(٢).
وهذا الكلامُ موجّهٌ إلى مَنْ لم يبلغْ رتبةَ الاجتهادِ؛ لعدمِ احتياجِ المجتهدِ إلى قولِهم (٣).
مناقشة الدليل الخامس عشر: لا شكَّ في أن هؤلاءِ الأئمة ممَّنْ يعظّمُ الكتابَ والسنةَ، ويوجبُ اتباعَهما، ولا ريبَ في أن على كلِّ طالب علمٍ أنْ يهتمَّ بالكتابِ والسنةِ، وأنْ يشتغلَ بتعلّمِهما، لكنَّ هذه الأقوالَ الَواردةً عن الأئمةِ مُوجّه إلى المجتهدين؛ لتمكنِهم مِنْ معرفةِ الحكمِ بدليلِه، وإلى مَنْ تأهلِ إلى النظرِ في الأدلةِ - وإنْ لم يرتقِ إلى درجةِ الاجتهادِ في الشريعةِ - لقدرتِه على استنباطِ الحكمِ مِن الكتابِ والسنةِ.
أمَّا مَنْ لم يبلغْ هذه الدرجة، فإنَّ كلامَهم لا يتوجّه إليه البتة (٤)؛ بدليل: أن كلامَهم موجهٌ إلى تلامذتِهم - وقد بلغ بعضُهم رتبةَ الاجتهادِ، وتأهّلَ كثيرٌ منهم إلى النظرِ في الأدلةِ - لحثِّهم على النظرِ في أقوالِهم،
= الأحكام (٦/ ١٢٣) عبارة المزني تصرف فيها فجعل نهي الإمام الشافعي موجهًا إلى الناس. وقد اختلف علماء الشافعية في عود الضمائر في قوله: "إعلاميه نهيه عن تقليده". انظر: الحاوي للماوردي (١/ ١٣٨ - ١٣٩)، وخطبة الكتاب المؤمل لأبي شامة (ص/ ١١٠). (١) نقل أبو داود قول الإمام أحمد في: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (ص/ ٣٦٩). وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٠/ ٢١٢). (٢) نقل قولَ الإمام أحمد: تقيُّ الدين بن تيمية في: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٠/ ٢١١ - ٢١٢)، وابنُ القيم في: إعلام الموقعين (٣/ ٤٦٩)، وفي: الروح (٢/ ٧٧٤)، وصالحٌ الفلاني في: إيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني (ص/ ٢٨١) ط/ دار الفتح. (٣) انظر دراسات اللبيب لمحمد معين (ص/٩٣)، وإيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني (ص/ ٥٠). (٤) انظر: حجة الله البالغة للدهلوي (١/ ٤٧٥)، والدرر السنية لابن قاسم (٤/ ٢١)، وشرح عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص/ ٨٢)، وعمد التحقيق للباني (ص/ ٤٠)، وبلوغ السول لمحمد مخلوف (ص/ ٩٣)، ولزوم اتباع مذاهب الأئمة للحامد (ص/ ١٥).