قوله عز وجل:{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} يجوز أن تكون "في" ظرفية، والتقدير: أو لم يجدّدوا أو يحدثوا التفكّر في قلوبهم؛ كما تقول: اجعل هذا في نفسك. وأن يكون محلا للتفكر، وهو ظاهر. و {ما خَلَقَ} معمول للقول (١٧٩ /أ) المقدر؛ تقديره: فيقول ما خلق ... الآية. وقيل: لا تحتاج إلى إضمار "فيقولوا" لأن السياق يدلّ على القول.
{إِلاّ بِالْحَقِّ} مصحوبة بالحكمة وبالتأجيل إلى أجل معلوم، وهو النفخة الأولى.
{وَأَثارُوا الْأَرْضَ} حرثوها، ومنه قوله:{لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ}(١). {وَعَمَرُوها} قريش كما عمرها من كان قبلهم، وليس في أرض قريش موضع حرث إلا يسيرا؛ لأنها جبال وأودية. وقوله:{وَعَمَرُوها} تهكم بهم وبحرثهم.
{السُّواى} تأنيث الأسوأ، وهو الأفصح؛ كما أن الحسنى تأنيث الأحسن، والمعنى أنهم عوقبوا في الدنيا بالتكذيب فدمروا و {أَنْ كَذَّبُوا} بمعنى: لأن كذبوا؛ أي: دمّروا لأجل التكذيب، ويجوز أن يكون "أن" بمعنى أي؛ لأنه إذا كان تفسير الإساءة التكذيب والاستهزاء كانت في معنى القول؛ نحو: نادي وكتب وما أشبه ذلك. ويجوز أن يكون {السُّواى} مصدر أساءوا؛ أي: اقترفوا السيئات، و {أَنْ كَذَّبُوا} عطف بيان، وخبر كان محذوف؛ كما يحذف جواب (لما) و (لو)؛ إرادة الإبهام.
{ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: إلى دار جزائه. الإبلاس: أن تبقى ساكتا متحيرا لا تهتدي إلى طريق الجواب بالحق، ومنه: الناقة المبلاس: التي لا ترغو. وقيل: يبلس - بفتح اللام - من: أبلسه، إذا أسكته، وكانوا في الآخرة مبلسين، وتنكر الأصنام عبادتهم لها، ومنه قوله تعالى:{تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيّانا يَعْبُدُونَ}(٢) فيبلس الكفار حينئذ. وقيل:
كانوا في الدنيا مبلسين بشركهم والضمير في قوله:{يَتَفَرَّقُونَ} للمسلمين والكافرين
(١) سورة البقرة، الآية (٧١). (٢) سورة القصص، الآية (٦٣).