الحسبان: لا يجوز أن يتعلق بالمفردات لكن يتعلق بمضامين الجمل، والجملة هاهنا هي قوله:{أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}. وليس الأمر كما حسبوه (١٧٥ /أ) بل لا بد من الامتحان بالأمر والنهي والوعد والوعيد. قوله:{فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ} بالامتحان {الَّذِينَ صَدَقُوا} في الإيمان. {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ} فيه. فإن قلت: كيف وهو عالم بذلك فيما لم يزل؟ قلت: لم يزل يعلمه معدوما ولا يعلمه موجودا إلا إذا وجد، والمعنى: وليتميزنّ الصادق منهم من الكاذب. وقيل: ليرى. وقيل: ليعلم العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب، وأنه تعالى لا يثيب ولا يعاقب إلا على ما وجد.
وقرئ {فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ}(١) أي: ليطلعن المؤمنين على بواطنهم بعلامة يعرفون بها من بياض وجوه المؤمنين، وسواد وجوه الكافرين، وزرقة عيونهم. {أَنْ يَسْبِقُونا} أن يفوتونا، وهم لم يعتقدوا أنهم يعجزون الله، لكن فعلهم فعل من يظن ذلك، ومنه:{وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ}(٢){لِقاءَ اللهِ} مثل للوصول إلى العاقبة من تلقي ملك الموت وابتداء الشروع في المجازاة. {يَرْجُوا} يؤمل أو يخاف. {فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ} وهو الموت {لَآتٍ} لا محالة.
(١) قرأ بها علي بن أبي طالب وجعفر، وقراءة الجمهور "وليعلمن". تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ١٤٠)، الكشاف للزمخشري (٣/ ١٩٦)، مجمع البيان للطبرسي (٨/ ٢٧١)، المحتسب لابن جني (٢/ ١٥٩). (٢) سورة الأنفال، الآية (٩).