قوله:{أَنْ أَنْذِرْ} أي: بأن أنذر؛ فحذف الجار ووصل. فإن قيل: كيف قال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} مع قوله: {إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ؟}
قلت: قدر الله - مثلا - أن قوم نوح إن آمنوا أمهلهم ألف سنة، وإن استمروا على الكفر أخذهم على رأس التسعمائة فإذا جاءت الألف فلا تأخير لها، وإذا جاءت رأس التسعمائة وآمنوا أمهلوا لتأجيل الأجل الآخر. {لَيْلاً وَنَهاراً} دائبا من غير فتور مستغرقا به الأوقات كلها. {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي} جعل دعاءه إياهم سببا في زيادة طغيانهم؛ كقوله:
{فَزادَتْهُمْ إِيماناً}(١) و {فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ}(٢) ذكر كيفية إعراضهم لسد مسامعهم ليكون أقبح لإعراضهم عنه. {وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ} واستفعل في قوله: {وَاسْتَغْشَوْا} يدل على أنهم استدعوا ذلك وطلبوه؛ كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم. وقيل: لئلا يعرفهم، ونظيره قوله تعالى:(٣١٣ /ب){أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ}(٣). الإصرار: مأخوذ من قولهم: صر الحمار على حمر الوحش: إذا قرن أذنيه وأقبل عليها يطلب أن يغشاها؛ لأنه في ذلك الوقت لا يرجع إذا صيح به. وذكر المصدر توكيدا ودلالة على فرط استكبارهم.