حذف جواب "إذا" ليذهب المقدر كل مذهب، أو اكتفى بما علم في مثلها من سورة التكوير والانفطار. وقيل: جوابها ما دل عليه {فَمُلاقِيهِ} أي: إذا انشقت السماء لاقى الإنسان كدحه. ومعناه: تنشق بالغمام؛ لقوله:{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ}(١).
وعن علي رضي الله عنه: تنشق من المجرّة (٢).
{وَأَذِنَتْ} استمعت له، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن"(٣).والمعنى: أنها فعلت حين امتثال أمر الله ما يفعله المجتهد في الطاعة من بذل الجهد. {وَحُقَّتْ} من قولك: هو محقوق بكذا وحقيق به، وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع.
والقصد: أن كل من عمت قدرته دخل فيها كل مقدور.
{مُدَّتْ} من مد الشيء فامتد، وهو أن تدك جبالها وآكامها. وقيل: مدت مد الأديم العكاظي؛ لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه واستوى. أو من مده بمعنى أمده، أي: زيدت سعة وبسطه. {وَأَلْقَتْ ما فِيها} مما دفن في بطنها من الموتى والكنوز.
{وَتَخَلَّتْ} وخلت غاية الخلو فكأنها تكلفت أقصى الجهد في الخلو كما يقال: تكرم الكريم وترحم الرحيم، إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة، وتكلفا فوق ما في طبعهما {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها} في إلقاء ما في بطنها. الكدح: جهد النفس في العمل، والكد فيه حتى يؤثر فيها من كدح جلده: إذا خدشه، ومعنى {كادِحٌ إِلى رَبِّكَ} جاهد إلى اللقاء وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء. {فَمُلاقِيهِ} فملاق له لا محالة، لا مفر لك منه.
(١) سورة الفرقان، الآية (٢٥). (٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧٢٥). (٣) رواه البخاري رقم (٢٥٤٤)، ومسلم رقم (٧٩٢) عن أبي هريرة رضي الله عنه.