{النَّجْمُ الثّاقِبُ} المضيء، كأنه يثقب الظلام بضوئه، فينفذ فيه كما قيل: درّيّ؛ لأنه يدرأ الظلمة، أي: يدفعها وهو صفة للطارق؛ لأنه يبدو بالليل، كما يقال للآتي ليلا: طارق. أو لأنه يطرق الجني أي: يصكه، والمراد: جنس النجوم، أو الشهب التي يرجم بها. وأقسم الله - تعالى - بالنجم الثاقب؛ تعظيما له، فأراد أن ينبه على ذلك، فجاء بصفه مشتركة وهو كونه طارقا. وجواب القسم قوله:{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ} من قرأ: "لما" مخففه من الثقيلة (٣٣٧ /أ) واللام هي الفارقة (١) و "ما": زائدة، ومن قرأ {لَمّا} بالتشديد (٢) فالمعنى: وما كل نفس إلا عليها حافظ رقيب، ووجه الربط بين قوله:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ} وبين قوله: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ} أنه لما ذكر الحافظ وأنه يحصي عملك أتبعه ما يجب اهتمام المرء به لما خلق له من العبادة والطاعة وليعلم قدرة الله في خلقه الآدمي وإنشائه من نطفة، ونقله في الأطوار حتى تكامل إنسانا كثير الجدال؛ كقوله:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}(٣).
{مِمَّ خُلِقَ} دخل حرف الجر على الاستفهامية، فحذفت ألفها. {دافِقٍ} ذي دفق، أو الدفق لصاحبه، ولم يقل: من مائين؛ لامتزاجهما واختلاطهما في الرحم. {مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ} من
(١) قال ابن هشام في شرح قطر الندى (ص: ١٦٤): سميت فارقة؛ لأنها فرقت بين النفي والإثبات. (٢) قرأ ابن عامر وحمزة وأبو جعفر "لما" بالتشديد، وقرأ بقية العشرة "لما" بالتخفيف. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٤٥٤)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣٦٨)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٧٥٨)، الدر المصون للسمين (٦/ ٥٠٦)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٦٧٨)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٧٣٤)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٩١). (٣) سورة يس، الآية (٧٧).