{الم} على أنها اسم للسورة مبتدأ، و {تَنْزِيلُ الْكِتابِ} خبره، وإن جعلته تعديدا للحروف ارتفع {تَنْزِيلُ الْكِتابِ} بأنه خبر مبتدأ محذوف، أو: هو مبتدأ خبره {لا رَيْبَ فِيهِ} والوجه أن يرتفع {الم} بالابتداء، وخبره:{مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} و {لا رَيْبَ فِيهِ} جملة معترضة، والضمير في {فِيهِ} راجع إلى مضمون الجملة، أي: في كونه منزلا من ربّ العالمين. أثبت أولا أنه منزل من رب العالمين، وأنه لا ريب فيه ولا شك، ثم انتقل إلى تقريعهم على ما يعتقدونه من أنه مفترى.
فإن قلت: نفى أن يكون مرتابا فيه، وأثبت ما هو أشد من ذلك؛ أن يكون مفترى؟
قلت: إنما نفى الريب لأن القرآن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا (١٨٥ /ب) انتفى الريب عن المعجزة صحّ الإسلام، ولا شيء أنفع من صحته، وأما قوله:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} فهو إما قول متجاهل يعلم أن الأمر بخلاف ذلك، أو معاند مكابر لا غيره يقوله؛ فكان الأول أهم. {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ؛} كقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ}(١).
فإن قلت: فإذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم حجة؟ قلت: أما معرفة الله تعالى ووحدانيته وعلمه وقدرته فهو ثابت بأدلة العقل، وأما ما سوى ذلك فلا.
{لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} فيه وجهان: أحدهما: أن يكون على ترجية النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما كان قوله:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً}(٢) على ترجية موسى وهارون. والثاني: أن يستعار الترجي للإرادة؛ أي: إرادة أن تهتدوا، وهو بعيد؛ لأنه لو أراد أن يهتدوا لاهتدوا.