إنما أنا نذير أبلغ ما أمرت بإبلاغه. وروي أن ناسا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف كتبوا فيه شيئا منقولا عن اليهود في التوراة؛ فقال عليه السلام:"كفى بقوم حماقة أن يتركوا ما جاء به نبيهم ويسألوا عمّا لم يأت به نبيهم"(١). {كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} أني قد بلغتكم ما أرسلت {بِهِ} إليكم، وأنذرتكم، وأنكم قابلتموني بالجحد والتكذيب.
{لَجاءَهُمُ الْعَذابُ} أي عاجلا، والمراد بالأجل: الآخرة؛ لأن الله تعالى وعد نبيه صلى الله عليه وسلم ألاّ يعذب قومه ولا يستأصلهم، وأن يؤخّر عذابهم إلى يوم القيامة.
وقيل: الأجل: يوم بدر. وقيل: وقت فنائهم بآجالهم. {لَمُحِيطَةٌ} أي: ستحيط بهم. {يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ}. وقيل: هي محيطة بهم في الدنيا؛ لأن الأعمال التي توجبها محيطة بهم. {ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي جزاؤه. والمعنى: أن الإنسان إذا لم يتهيأ له في بلد إصلاح شأنه في دينه ولا من يعينه عليه فليرحل عنها إلى حيث يتيسر له. وقال الزمخشري: جربنا وجرب الأولون منا فلم نر ما هو أجمع للخاطر وأعون على التقوى من المجاورة بحرم الله (٢).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم:"من فرّ بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان قدر شبر (١٧٨ /أ) وجبت له الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد"(٣).وقيل: نزلت في المستضعفين من
(١) رواه الطبري في تفسيره (٢١/ ٧)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٤٧١) للدارمي وأبي داود في مراسيله وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة رضي الله عنه. (٢) ينظر: الكشاف (٣/ ٤٦١). (٣) ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (١/ ٣٥١) تفسير سورة النساء، (٣/ ٥٠) تفسير سورة العنكبوت، ونسبه للثعلبي في تفسيره. وقال: مرسل.