{وَلا يَكادُ يُبِينُ}(١). مع علمه أنه ليس لموسى أنهار تجري من تحته، ثم عدّد سبحانه الخيرات والمنافع التي خلقها لعباده، ثم قال:{هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ}[الروم: ٤٠] وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها: "بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم"(٢).
فإن قلت: ما الفرق بين "أم" و "أم" في قوله: {أَمّا يُشْرِكُونَ} و {أَمَّنْ خَلَقَ؟}
قلت: الأولى متصلة؛ لأن معناها: أيهما خير؟ وهذه منقطعة بمعنى: بل. والهمزة لما قال: أما يشركون، قال: بل أمن خلق السماوات والأرض خير. وقرئ "أمن" بالتخفيف (٣) ووجهه أن يجعل "من" بدلا من اسم الله؛ كأنه قال: أمن خلق السماوات والأرض خير أمّا يشركون. وإنما التفت عن الغيبة إلى الخطاب في قوله:{فَأَنْبَتْنا بِهِ} لأن إنبات الحدائق المختلفة الألوان والطعوم والروائح مع كونها تسقى بماء واحد أدل على القدرة، ولهذا خصّ هذا النوع بقوله:{ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها} ومعنى {ما كانَ لَكُمْ} ما ينبغي وما يتأتى؛ كقوله:{ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ}(٤) ومعنى {ما كانَ} في هذين الموضعين الاستحالة عقلا، وقد تأتي للمنع شرعا؛ {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}(٥){ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ}(٦){ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ}(٧).
والحديقة: البستان عليه حائط من الإحداق وهو الإحاطة، وكذلك لا يسمى حائطا إلا إذا حوط. {ذاتَ بَهْجَةٍ} كقولك: النساء ذهبت. والبهجة: الحسن؛ لأن الناظر يبتهج به. {أَإِلهٌ مَعَ اللهِ} أغير الله يصلح أن يتخذ معه شريكا.
(١) سورة الزخرف، الآية (٥٢). (٢) ذكره القرطبي في تفسيره (١٣/ ٢٢١) مرفوعا، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٣٧٠) لعبد ابن حميد عن قتادة. (٣) قرأ بها الأعمش. تنظر القراءة في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٨٩)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٣٢١)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ١٤٦)، الكشاف للزمخشري (٣/ ١٥٥)، مختصر الشواذ لابن خالويه (ص: ١١٠)، مفاتيح الغيب للرازي (٢٤/ ٢٠٦). (٤) سورة مريم، الآية (٣٥). (٥) سورة آل عمران، الآية (١٦١). (٦) سورة التوبة، الآية (١٧). (٧) سورة يوسف، الآية (٣٨).