قيل: كان إبليس من الملائكة، وكونه من الجن لا ينافي ذلك، إما أنه من خزّان الجنان كان، أو لاستتارهم عن الأبصار. وقيل: لم يكن من الجن؛ لقوله تعالى:{ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ}(٩٦ /أ) الآيتين (١). تبرأت الملائكة ونسبوا الفعل إلى الجن، فلو كانت الملائكة جنّا لقال: فهم منكم. وإنما عتب إبليس والأمر للملائكة لأنه كان مغمورا في زمرتهم، فغلب اسمهم عليه. وقيل: إنه لم يؤمر بالسجود لآدم كلّ الملائكة، بل الملائكة المقربون لم يؤمروا بذلك؛ لقوله:{وَلَهُ يَسْجُدُونَ}(٢) بتقديم المجرور الدال على الاختصاص، ويقوي ذلك قوله - تعالى:{أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ}(٣) أي: من الملائكة الذين رفع قدرهم عن أن يسجدوا لغير الله، وهذا بعيد؛ لقوله:{أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}(٤) فجعل إبليس مأمورا وعمم بقوله: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} عدل عن الجواب إلى قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} بيّن بذلك علة الامتناع، وكان القياس في الجواب: إن الفاضل لا ينبغي أن يسجد للمفضول، وأنا أفضل منه فلا أسجد له.
{قالَ فَاخْرُجْ مِنْها} من سماء الدنيا إلى الأرض. وقيل: من الجنة.
{رَجِيمٌ} مرجوم بالشهب. وقيل: مرجوم بمعنى مطرود {إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} سأل الخبيث ألا يموت؛ لأنه لا يبقى بعد نفخة البعث موت لأحد، فأجيب بالنظرة إلى وقت
(١) سورة سبأ، الآيتان (٤١، ٤٠) والآية الثانية: قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ. (٢) سورة الأعراف، الآية (٢٠٦). (٣) سورة ص، الآية (٧٥). (٤) سورة الأعراف، الآية (١٢).