{شَيْئاً} يجوز أن يكون مفعولا به، وأن يكون مصدرا. فإن قيل: كيف يستقصرون مدة لبثهم في القبور؟ وأين عذاب القبر وأيام الشدائد طوال؟ فالجواب: أن في قوله:
{كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا} ثلاثة أوجه: أحدهما: أنه روي أن العذاب يرفع فيما بين النفختين، فإذا نفخ في الصور قاموا وفي أعينهم طعم النوم، فيقولون: يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا هذا؟ فأشاروا بقوله:{كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا} إلى ما بين النفختين.
الوجه الثاني: أراد: كأن لم يلبثوا في الدنيا. والثالث: كأن لم يلبثوا في القبور، قالوا: ولا دليل على عظم أمر القيامة أدل من هذا؛ لأنه جعل التعذيب في القبور كأيام النعيم التي تستقصر، ولأن عذاب القبر عرض، ومنه قوله: {وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا} (١) فجعل دخول النار في يوم القيامة. وفي الحديث:"إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، ويقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله"(٢).
{كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا} جملة حالية. قوله تعالى:{يَتَعارَفُونَ} ثانية. ويجوز أن يتعلق ب {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا} كأن التعارف ينقضي ويعود تناكرا؛ لشدة الأمر عليهم.
وقوله:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا} مقدر فيه القول، والتقدير: قائلين: قد خسروا.
{وَما} في قوله: {وَإِمّا نُرِيَنَّكَ} زائدة، فالمعنى: إن أريناك فيهم ما يسرك فجيدا، وإن توفيناك قبل ذلك لم يفوتونا {فَإِلَيْنا} يرجعون {مَرْجِعُهُمْ} قوله: {ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ} يريد
(١) سورة غافر، الآية (٤٦). (٢) رواه البخاري رقم (١٣٧٩)، ومسلم رقم (٢٨٦٦) عن ابن عمر - رضي الله عنهما.