هذا باب ما جاء في التنزيل حمل فيه ما بعد إلا على ما قبله، وقد تم الكلام فمن ذلك قوله تعالى:(وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)«١» . ف «بادى» الرأى، منصوب بقوله «اتبعك» ، وهم لا يجيزون:
ما أعطيت أحدا درهما إلا زيدا دينارا، وجاز ذا هاهنا لأن «بادى» ظرف، والظرف تعمل فيه رائحة الفعل.
وقيل: هو نصب على المصدر، أي: ابتداء الرأى.
قلت: وذكر الأخفش هذه المسائل وفصل فيها، فقال: لو قلت:
أعطيت القوم الدراهم إلا عمراً الدرهم، لم يجز، ولكن يجوز في النفي:
ما أعطيت القوم الدراهم إلا عمراً الدرهم، فيكون ذلك على البدل لأن البدل لا يحتاج إلى حرف، فلا يعطف بحرف واحد شيئان منفصلان، وكذلك سبيل «إلا» .
(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ)«٣» ، حمله قوم على «من قبلك» ، لأنه ظرف، وحمله آخرون على إضمار فعل دل عليه «أرسلنا» .
ومثله:(ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ)«٤» ، ف «بصائر» حال من «هؤلاء» ، والتقدير: ما أنزل هؤلاء بصائر إلا رب السموات والأرض، جاز فيه ذا لأن الحال تشبه الظرف من وجه.