قالَ الكَلْبيُّ: لَمَّا ضَرَبَ امْرَأَةَ تَمِيمِ بن مُرٍّ المَخَاضُ خَرَجَ يَتَفَأَّلُ، فإذا هو بِمَوْضِعٍ قد انْخَرَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ السَيْلُ، فَرَجَعَ وَقَد وَلَدَتْ، فَسَمَّاهُ زَيْدَ مَنَاةَ، فَفِيهِ العَدَدُ والشَرَفُ؛ ثُمَّ ضَرَبَها المَخَاضُ بِوَلَدٍ، فَخَرَجَ فَإِذَا هُوَ بَضَبُع تَجرُّ كَاهِلَ حَزْوُرٍ فَقالَ: "أَعْثى به رَثْيَة تَأوِى إلى كاهِلٍ شَدِيد"؛ أَعْثَى: كَثِيرُ الشَعر، وبه أَى خَمْع (١)؛ فَرَجَعَ وقد ولَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّاهُ عَمْرًا، فَفِيهُم البأسُ والنَجْدَةُ؛ ثُمَّ ضَرَبَهَا المَخَاضُ بِوَلَدٍ ثَالِثٍ، فَخَرَجَ يَتَفَأَّلُ، فإذا هو بِمُكَّاءٍ سَاقِطٍ على عَوْسَجَةٍ قَد جَفَّ نِصْفُها، فَقَالَ: "لَئِنْ كُنْتِ قد أثريتِ وأسريتِ، لقد أَحْجَدت واكْدَيْتِ (٢) " فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّاهُ الحَارِثَ؛ فَفِيهم القِلَّةُ ولَيْسوا بشيءٍ (٣).
قَالَ ابنُ الكَلْبيَ (٤): خَرجَ يَزيدُ بن شَيْبَانَ بن عَلْقَمَةَ بن زُرَارَةَ حَاجًّا على ناقةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: ثَمَرَةُ، فَلَمَّا قَضَى حَجَّهُ انصَرَفَ قَبْلَ أَهلِهِ، فسار لَيْلَةً أو لَيْلَتينِ ثُمَّ لَحِقَ نَفَرًا من مَهْرَةَ فَنَسَبَهم، فَلَمَّا انتسَبوا صَدَّ عَنْهُم، فَقَالُوا: مَالَكَ نَسَبْتَا ثُمَّ صَدَدَت عَنَّا؟ قَالَ: قُلْتُ: "رَأَيْتُ قَومًا لا أُرَاهُم يَعرِفونَ نَسَبِي، ولا أَرَاني عَارِفًا نَسَبَهُم".
فَقَالَ شَيْخُ منهم: لَعَمْري لَئنْ كُنْتَ من جِذْمِ العَرَبِ لأَعْرِفَنَّكَ.
قال: قُلْتُ: فَأَنا واللهِ من جِذْمِ العَرَبِ.
قَالَ: فإنَّ العَرَب على أَرْبَع فِرَقٍ: رَبِيعَةَ، وَمُضَرَ، وقُضَاعَةَ واليَمَن؛ فَمِن أَيِّهِم أَنتَ؟
(١) في طبعة دمشق ١/ ٣٨٣: "جمع" والمثبت في طبعة بيروت، وبهامشها: "جمعت الضبع تخمع خمعا وخموعا، عرجت، والخوامع: الضباع، اسم لها لازم، والخُماع: العَرْج".(٢) يقال: أكدى، أي قلّ خيره.(٣) الاشتقاق، ص ٦ - ٧.(٤) الخبر بطوله وبنصه لدى صاحب المختصر (مخطوط) ٧٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute