قيل: أن الله تعالى لما أخذ الميثاق على عباده بالإقرار كتبه في رق أبيض وألقمه الحجر الأسود، وكان إذ ذاك له لسان وشفتان وعينان، وجعله في موضعه وقال: أشهد لمن وافاك بالوفاء إلى يوم القيامة (١). حكاه أبو سعيد المفضل في «فضائل مكة المشرفة».
سمعت بعض الفضلاء يقول: سمعت الشيخ أبا الطيب وقد سئل: ما سبب محبة قلوب الخلائق لمكة وأهلها؟ وما سبب محبة قلوب أهل المدينة للواردين عليهم؟ فقال: الأول لدعاء إبراهيم عليه السلام {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}(٢) وقال تعالى في أهل المدينة {يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ}(٣) فبلطيف سر هذا الموضع سرى لطف المحبة من المحب للحبيب وسرى سر الموقع الثاني بلطيف المحبة من الحبيب للمحب. انتهى.
قال أهل السير: وقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة الشريفة حين اشتد الضحى من يوم الإثنين لإثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول (٤)، وقيل:
لليلتين خلتا منه (٥)، وقيل: لهلال ربيع الأول (٦). والأول أصح. وقيل: كانت الهجرة مستهل ربيع الأول، ووصل المدينة يوم الإثنين لإثنتي عشرة ليلة خلت
(١) أخرجه الفاكهي في أخبار مكة ١/ ٩٣ عن مجاهد من غير طريق، والأزرقي بلفظه عن أبي سعيد الخدري في أخبار مكة ١/ ٣٢٤. (٢) سورة إبراهيم آية (٣٧) وحول تفسير الآية الكريمة ودعاء إبراهيم عليه السلام ربه، واستجابة الله لدعائه. انظر: القرطبي: الجامع ٩/ ٣٧٣. (٣) سورة الحشر آية (٩). (٤) انظر: ابن هشام: السيرة ١/ ٤٩٢، ابن سعد: الطبقات ١/ ٢٣٣، الطبري: تاريخ ٢/ ٣٨١، السمهودي: وفاء الوفا ص ٢٤٧. (٥) أخرجه البيهقي في الدلائل ٢/ ٣٠٥ عن محمد بن إسحاق، وذكره السمهودي في وفاء الوفا ص ٢٤٧. (٦) أخرجه البيهقي في الدلائل ٢/ ٤٩٩ عن عروة.