ينظرون إليَّ! كالمتعجبِ، يعني: كيفَ تعملُ بظاهرِ هذه الآياتِ مع أن الروايةَ عن سلفنا وردتْ عَلى خلافِها؟ ! " (١).
مناقشة الدليل الثامن عشر: إنَّ ما ذكرتموه مِن المفاسد هي مِن التعصّب المذهبي، وهذا ما نمنعُه، أمَّا التمذهب، فليس ما ذكرتم مِنْ لازمِه (٢) - وإنْ كانَ أثرًا مِن آثارِه جاءَ مِنْ تطبيقِه على وجهٍ خاطئ - وبناءً عليه: فإنَّا لا نمنعُ التمذهبَ لوجودِ التعصبِ والافتراقِ، بلْ فمنعُ التعصبَ والافتراقَ، ونميّزُ بينه وبين التمذهبِ (٣).
ومِنْ جهةٍ أخرى: فإنَّه لو وَقَعَ الافتراقُ والاختلافُ بين متبعي الدليلِ؛ لأيّ سببٍ، فهلْ يمكنُ لأحدٍ أنْ يمنعَ اتِّباعَ الدليلِ؛ لتفرقِ أصحابِه الذين يدّعون اتَباعَه؟ ! بالطبعِ لنْ يمنعَ، وإنَّما الذي يتوجه إليه المنعُ هو التفرقُ والاختلافُ فحسب.
الدليل التاسع عشر: يُقالُ لأتباعِ المذاهب المقلدين لها: أكانَ الناسُ قبلَ أنْ يولدَ إمامُكم على هدىً، أم على ضلَالةٍ؟ ولا بُدَّ أن تُقِروا أنَّهم كانوا على هدى. فيُقال لكم: فما الذي كانوا عليه سوى اتِّباعِ القرآنِ والسنةِ، وتقديمها على كلِّ ما يخالفها؟ وإذا كان هذا هو الهدى، فليس ما عداه إلا الضلال. فإنْ قلتم: إنَّ إمامَنا سارَ على طريقِ الهدى، وسَلَكَ منهجَ السابقين. قيل لكم: مَنْ عداه مِن الأئمةِ، أشاركَ إمامكم في السيرِ على طريقِ الهدى، أم أن إمامَكم انفردَ بسلوكِ الطريقِ؟ فإنْ قلتم بالثاني، فهذا ضلالٌ مبينٌ. وإنْ قلتم بالأولِ، فكيفَ لكم قبول أقوالِ إمامِكم، وردّ أقوالِ غيرِه، حتى كأنَّ الصوابَ معه وحده؟ ! (٤).
(١) مفاتيح الغيب (١٦/ ٣٧). وقارن بإرشاد الطالبين إلى المنهج القويم للرازي (ص/ ٣٩٢). (٢) انظر: أصول الفقه للدكتور عياض السلمي (ص/ ٤٨٣)، والتمذهب لليافعي (ص/ ١٣٩). (٣) انظر: إمام الكلام للكنوي (ص/ ٣٤ - ٣٧). (٤) انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٦/ ١٤٢ - ١٤٣)، وإعلام الموقعين (٣/ ٤٨٧ - ٤٨٨)، وهداية السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان للمعصومي (ص/ ٩٧).