الثاني: التمثيلُ بالفروعِ، والاستشهادُ بها، والاحتجاجُ لها، والنقضُ على الخصومِ وعلى الأدلةِ.
فإذا كان منصبُ الاجتهادِ متوقفًا على أصولِ الفقهِ، وأصولُ الفقهِ متوقفةٌ على الفروعِ - من الوجهين المتقدمين - لَزمَ توقفُ منصبِ الاجتهادِ على الفروعِ (١).
ويمكن مناقشة الدليل: بأنَّ ما ذُكِرَ مسلَّمٌ به؛ لكنْ لا يلزمُ منه معرفةُ الفروعِ الفقهيةِ، بلْ يكفي لتحقيقِه أمثلةٌ مِن الفروعِ على المسألةِ الأصوليةِ.
• الموازنة والترجيح:
يَظهرُ لي رجحانُ القولِ الأولِ القائلِ بأنَّه لا تُشترطُ معرفةُ الفروعِ الفقهيةِ؛ لبلوغِ رتبةِ الاجتهادِ، وذلك للآتي:
أولًا: كيفَ نجعلُ ثمرةَ الاجتهادِ، وهي: الفروعُ الفقهيةُ شرطًا لبلوغِ رتبةِ الاجتهادِ؟ ! فلا يكونُ مجتهدًا حتى يعرفَ الفروعَ، ولا يُولّدُ الفروعَ حتى يجتهد!
ومَعَ القولِ بعدمِ الاشتراطِ، إلا أنَّ الواقعَ العلميّ يدلُّ على أنَّ العالمَ لا ينالُ منصبَ الاجتهادِ إلا بالتدرجِ في العلمِ، وممارسةِ الفقه؛ ومطالعةِ ما ولّده المجتهدون مِنْ قبلُ، ومعرفةِ مداركِهم، ومآخذِ أقوالِهم، وهذا طريقُ تحصيلِ الدّربةِ فيه، كما نبّه إلى ذلك أبو حامدٍ الغزالي (٢).