وجه الدلالة: دلَّ الحديثُ على تحريمِ الإفتاءِ بغير ثبتٍ، وإفتاءُ المتمذهبِ بمذهبِه تقليدًا داخلٌ تحتَ ما حذَّر منه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (١).
ويمكن أنْ يناقش الدليل الأول: بأنَّ الممنوعَ الإفتاءُ بغيرِ علمٍ وبيّنةٍ، وإذا أفتى المتمذهبُ بقولِ إمامِه، فإنَّه أفتى بقولِ عالمٍ توصَّلَ إلى قولِه عن اجتهادٍ وبيّنةٍ.
الدليل الثاني: حديثُ جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: خرجنا في سفرٍ، فأصابَ رجلًا منا حجرٌ، فشجه في رأسِه، ثمَّ احتلم، فسألَ أصحابَه: هل تجدونَ لي رخصةً في التيممِ؟ فقالوا: ما نجد لك رخصةً وأنتَ تقدرُ على الماءِ، فاغتسلَ، فماتَ.
فلمَّا قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أُخبِر بذلك، فقالَ:(قتلوه قَتَلَهم اللهُ، ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنَّما شفاءُ العيّ السؤال)((٢).
وجه الدلالة: أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دعا على مَنْ أفتى بغيرِ علمٍ، وهذا يدلُّ على تحريمِ إفتاءِ المتمذهبِ بقولِ إمامِه تقليدًا له (٣).
= برقم (١٠٤٤)؛ وابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٨٦٠)، برقم (١٦٢٥)، و (٢/ ٩٩١)، برقم (١٨٨٩)؛ والبيهقي في: السنن الكبرى، كتاب: آداب القاضي، باب: إثم من أفتى أو قضى بالجهل (١٠/ ١١٦). وضعَّف الحديثَ ابنُ القطان في: بيان الوهم والإيهام (٤/ ٦٨ - ٦٩)، وذَكَرَ عِلَلَ إسناد رواية أبي داود. وقال ابن مفلح في: الآداب الشرعية (٢/ ١٥٧) عن الحديث: "حديثٌ جيِّدٌ له طرقٌ". وحسن الألبانيُّ الحديثَ في تعليقه على السنن لأبي داود في الموضع السابق. وانظر: تعليق محققي مؤسسة الرسالة على المسند للإمام أحمد، فقد حسنوا الحديث (١٤/ ١٧ - ١٩)، وحسنه أيضًا محقق السنن للدارمي (١/ ٢٥٩ - ٢٦١). وأخرج أحمد في: المسند (١٤/ ٣٨٤)، برقم (٨٧٧٦) الحديثَ عن مسلم بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. (١) انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (٢/ ٩٩١ - ٩٩٢)، وإعلام الموقعين (٣/ ٤٦٢). (٢) تقدم تخريج الحديث في: (ص/ ٧٩٩). (٣) انظر: إعلام الموقعين (٣/ ٥٢٩).