{فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} قيل هو استهزاء، ولا علم عندهم، وعلمهم الذي تلاشى: زعمهم أن لا بعث وأن الأصنام تشفع لهم. وقيل: المراد علم الفلسفة، بعلم جدهم يونان. وعن سقراط: أنه سمع بموسى عليه السلام فقيل له: هاجر بنا إليه، فقال:
نحن قوم مهذبون لا حاجة بنا إلى من يهذبنا (١). وقيل: فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح استهزاء، وتنقبض لما علمه الرسل من العلم، ويدل عليه قوله:{وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} وقيل: فرح الأنبياء: ما عندهم من العلم بهلاك المكذبين وحاق بالكافرين جزاء جهلهم.
و {الْبَأْسَ} العذاب الشديد؛ ومنه {بِعَذابٍ بَئِيسٍ}(٢). فإن قيل: لو قيل: فلم ينفعهم إيمانهم. هل كان يقوم مقام قوله:{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ}؟
قلنا: هو مثل {كانَ *} في قوله: {ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ}(٣). والتقدير: فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم. فإن قلت: كيف ترادفت هذه الفاءات؟
قلت: أما قوله: {فَما أَغْنى} فهو نتيجة قوله: {كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ} وأما قوله (٢٤٠ /أ){فَلَمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ} فجار مجرى البيان لقوله: {فَما أَغْنى عَنْهُمْ} كقولك:
رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء. وقوله:{فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا} تابع لقوله:
{فَلَمّا جاءَتْهُمْ} كأنه قال: كفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا. {سُنَّتَ اللهِ} مصدر مؤكد؛ ك {وَعْدَ اللهِ}(٤) و {صِبْغَةَ اللهِ}(٥) و {فِطْرَتَ اللهِ}(٦) و {هُنالِكَ} اسم مكان مستعار للزمان؛ أي: خسروا في ذلك الزمان، وهو وقت قيام الساعة، وكذلك قوله:{وَخَسِرَ هُنالِكَ} بعد قوله: {فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ} أي: خسروا وقت مجيء أمر الله، أو:
وقت القضاء بالحق.
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ١٨٢). (٢) سورة الأعراف، الآية (١٦٥). (٣) سورة مريم، الآية (٣٥). (٤) سورة الروم، الآية (٦). (٥) سورة البقرة، الآية (١٣٨). (٦) سورة الروم، الآية (٣٠).