{مِنْ بَعْدِهِ} من بعد إمساكه. {اُذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} ليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط، لكن باللسان وبالقلب، وحفظها من الكفران، وشكرها: الاعتراف بإنعام مهديها. والخطاب عام في الأمر بالتذكر، وعن ابن عباس:" يريد: يا أهل مكة اذكروا نعمة الله عليكم؛ حيث أسكنكم حرمه، ومنعكم من جميع العالم والناس يتخطفون من حولكم ". وعنه: نعمة الله: العافية (١). {يَرْزُقُكُمْ} يجوز أن يكون لا موضع له من الإعراب؛ لأنه ابتداء كلام، وأن يكون له موضع إذا كان صفة لخالق. فإن قلت: هل فيه أن (الخالق) لا يطلق على غير الله عز وجل؟ قلت: نعم إذا جعلت {يَرْزُقُكُمْ} كلاما مستأنفا، و {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} جملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب، ولو وصلتها ب " يرزقكم "لم يصح؛ لأنه يصير التقدير: لا خالق يرزق إلا الله فمفهومه: أن من كان خالقا ولم يكن رازقا يمكن وجوده وليس كذلك. {فَأَنّى تُؤْفَكُونَ} تقلبون من الحق إلى الباطل، ومنه تسمية المؤتفكات قرى لوط؛ لأن الأرض خسفت بهم فقلبت؛ وسمي الباطل إفكا لأنه يقلب الحق عن صورته. وقوله:{فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ} تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونعي على قريش سوء اعتمادهم مع الأنبياء؛ كانوا رسلا عددهم كثير وعقولهم تامة فصبروا على ما كذبوا وأوذوا فتأسّ بهم.
{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} كمن لم يزين له ذلك، وهو كقوله:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ}(٢). أي: كمن لم يشرح؟ فإن قلت: لم جاء قوله: {فَتُثِيرُ} فعلا مضارعا دون ما قبله وما بعده؟
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٣/ ٥٩٧). (٢) سورة الزمر، الآية (٢٢).