فلذلك أمرتك بالاستماع لما أرسلتك به. {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} أي: ذل واخضع، والعبادة غاية الذلة والخضوع تقول (١١٨ /ب): خضعت لزيد وذللت له، ولا يجوز أن تقول: عبدته؛ فإن غاية الذلة والخضوع لا تكون إلا لله وحده.
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} جاء في الحديث: "وأقم الصّلاة للذّكرى"(١) أي: أقم الصلاة لتذكرني فيها. وقيل: وأقم الصلاة وصلّ الناسية إذا تذكرتها؛ فإن ذلك وقتها.
{أَكادُ أُخْفِيها} قرئ (أكاد أخفيها)(٢) أي: أظهرها؛ تقول: خفا الشيء بمعنى ظهر. {لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى} قال بعضهم: التقدير: أكاد أخفيها من نفسي فكيف أطلعكم عليها. وكلّ من ألفاظ العموم، فيجوز أن يستثنى الأنبياء، ومن يأتي آمنا يوم القيامة، فذلك يعطى الثواب ويسامح بعقوبة ذنبه.
{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها} هو كقولك: لا أرينك هاهنا؛ أي: لا تكن هاهنا فأراك، ولا تكن بحيث يصدك الكفار؛ لأن الفعل إنما ينهى عنه فاعله لا مفعوله. {فَتَرْدى} فتهلك.
{وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى} إيناس له لما دهش بسماع كلام الله - عز وجل - وقد قيل: إن اسم الإشارة في قوله: {وَما تِلْكَ} أنها موصولة وما التي بيدك؛ التقدير: وما الذي بيدك؟ {قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها} أراد موسى أن يعتذر عن إبقاء العصا بيده؛
(١) رواه مسلم في صحيحه (٦٨٠)، وأحمد (٢/ ٤٢٨)، وأبو داود رقم (٤٣٥)، والترمذي رقم (٣١٦٣). (٢) قرأ سعيد بن جبير (أخفيها) بفتح الهمزة، وروي عنه (أخفيها). قال الفراء عن قراءة الفتح: من خفيت: أظهرت، واستدل بقول امرئ القيس: فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد يريد: لا نظهره. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٢٣٢)، تفسير القرطبي (١١/ ١٨٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ١١)، فتح القدير للشوكاني (٣/ ٣٥٩)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٥٦)، مجمع البيان للطبرسي (٧/ ٣)، المحتسب لابن جني (٢/ ٤٧)، معاني القرآن للفراء (٢/ ١٧٦).