أي: نلقيك على مكان مرتفع عن الماء، وكانت بنو إسرائيل قد قالوا بعد غرق فرعون: ما يموت فرعون أبدا، لما ثبت في قلوبهم من الرّعب منه، فألقاه الموج على شاطئ البحر، وكان عليه درع من ذهب معروفة لا يلبسها إلا هو، فعرفوه وتحققّوا موته.
فقوله:{نُنَجِّيكَ} أي: نرفعك على مكان عال، وإلا ففرعون ما نجا، وفي المقامات [من البسيط]:
وكم دعاني مستنج فحادثني ... وما أخلّ ولا أخللت بالأدب (١)
وأراد بالمستنجي الجالس على المكان المرتفع، ولم يكن هناك خروج خارج من قبل ولا دبر. {اِتَّقَوْا} أي: الشرك. {جِثِيًّا} قيل: جثاة على الركب من الهول. وقيل: الجثي جمع جثوة، وهي الجماعة، كما قال:{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً}(٢){وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً}(٣).
قوله:{آياتُنا بَيِّناتٍ} الحال فيه غير منتقلة، وهو دليل على جوازها؛ لأن آيات القرآن دائمة البيان. وقوله:{لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: بسبب الذين آمنوا كقوله - تعالى:{الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ}(٤) أي: عن إخوانهم؛ لأنهم لو قالوه لهم لقال: ما متم وما قتلتم.
{نَدِيًّا} أي: مجلسا يجتمع فيه الأكابر. {وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} رد لقولهم: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً} ومعنى الكلام: أنهم تفاخروا بجمال المجلس وجمال من يحضر فيه من الأكابر، ولم يغن عنهم ذلك من الله شيئا ولهذا قال:{مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً} أي: