المراد بالانطلاق: الذهاب ولا يشترط فيه السرعة، وأصله من إطلاق الإنسان أو الدابة الممنوعين عن التصرف. وقوله:{فَانْطَلَقا} يعني موسى والخضر، ولم يجر ذكر يوشع بعد انطلاقهما، وكملت القصة في محاورة موسى والخضر دون يوشع.
{اِسْتَطْعَما أَهْلَها} وقد احتج بهذه الآية من أجاز السؤال عند الحاجة، فإن الخضر وموسى استطعما وردّا. وفيه دليل على أن إعطاء المسكين والسائل ضيافة.
وقوله:{يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} نسبة الإرادة للجدار مجاز والمراد إشرافه على السقوط.
{فَأَقامَهُ} الخضر. وقوله:{لاتَّخَذْتَ} قرئ {لاتَّخَذْتَ} وهما لغتان (١) فلما استكمل موسى ثلاثة أسئلة على خلاف ما شرط عليه في قوله: {فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} الآية قال له الخضر: وفاء بالشرط {هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} وقد زعم بعضهم البين بمعنى الوصل، احتج بقوله - تعالى:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من ضم النون (٢).
واحتج الشافعي في قوله: إن المسكين أكثر موجودا من الفقير بهذه الآية (٣) فجعل لهم سفينة وسماهم مساكين. وقال بعضهم: لما جاز إرادة إفساد السفينة للمصلحة، وإن كان ضرر ظاهر نسب ذلك إلى نفسه بقوله:{فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها} ولما كان بقاء الكنز في مكانه ليأخذه اليتيم إذا بلغ مصلحة مجرّدة نسبه إلى الله - تعالى - فقال:{فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا} وقد سأل نافع الأزرق (٤) ابن عباس رضي الله عنه فقال: "كيف جاز للخضر قتل الغلام ولم يحتلم، وهو لم
(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب" لتخذت "، وقرأ الباقون" لاتّخذت". وتنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ١٥٢)، الحجة لابن خالويه (ص: ٢٢٨)،، الحجة لأبي زرعة (ص: ٤٢٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ٤٧٦)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٣٩٦)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٤٩٥)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣١٤). (٢) تقدم تخريجها في سورة الأنعام، الآية (٩٤). (٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٣/ ٢)، المغني لابن قدامة (٧/ ٣١٣). (٤) هكذا وقع هنا نافع الأزرق، وفي كتب التخريج وفي الكشاف للزمخشري (٢/ ٧٣٦) أن الذي سأل -