وقوله {أَوْ كَصَيِّبٍ} المعنى فيه: أنك إن أردت تشبيه المنافقين في انتظارهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه يبعث ويؤمنون به، وكانوا من قبل يستفتحون، ويستنصرون على عدوهم، ويقولون:
«اللهم انصرنا عليهم بالنبي الذي تبعثه في آخر الزمان»(١){فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} فهذا مثلهم.
وإن أردت تمثيل القرآن والهدى الذي جاءهم، وما فيه من التخويفات، ولم يكن حظهم من ذلك إلا الخوف والحذر {يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ}[التوبة: ٦٤] فمثلهم مثل الصيب الذي حظ المسافر منه الخوف من رعوده وصواعقه، ومقصوده الأعظم: ري الأرض، ونجابة زراعتها.
وقوله:{يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ} الضمير في {يَجْعَلُونَ} لأصحاب الصيب.
والمحيط: مشتق من الإحاطة بالشيء، ومن أحاط بالشيء من جميع جهاته، حصل له العلم به والاستيلاء عليه، والتمكن منه غالبا، فقوله {وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ} يريد: أنه مهلكهم؛ كقوله:{لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ}[يوسف: ٦٦]، {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}[الكهف: ٤٢] ويجوز أن يريد أنه عالم؛ كقوله تعالى:{أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}[فصلت: ٥٤]{قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}[الطلاق: ١٢].
وذكر في الإضاءة {كُلَّما}؛ لأنهم كانوا حراصا على الحركة، فإذا لاح لهم أدنى نور
(١) أورده الواحدي في أسباب النزول (ص: ٣١) رقم (٣٨) عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٢٦٣)، من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه عن جده، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانت يهود خيبر تقابل غطفان فكلما التقوا، هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم. قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء، فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلّى الله عليه وسلم كفروا فأنزل الله: وقد كانوا يستفتحون بك يا محمد على الكافرين. قال الذهبي معقبا: لا ضرورة في ذلك أي لإخراجه، فعبد الملك متروك هالك.