{خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ} حال من "يخرجون" وخشوع الأبصار عبارة عن الذلة؛ لأن ذلة الذليل وعزة العزيز يظهران في عيونهما. {مِنَ الْأَجْداثِ} من القبور {كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ} مثل في الكثرة والتموج، يقال: جاء الجيش كالجراد منتشر في كل مكان. {مُهْطِعِينَ} مسرعين مادي أعناقهم. وقيل: ناظرين إليه لا يميلون بأبصارهم عنه، ومنه قول الشاعر [من الطويل]:
تعبّدني نمر بن سعد وقد أرى ... ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع (٢)
{قَبْلَهُمْ} قبل أهل مكة {فَكَذَّبُوا عَبْدَنا} أي: نوحا. فإن قلت: ما معنى قوله: {فَكَذَّبُوا عَبْدَنا} بعد قوله: {كَذَّبَتْ؟} قلت: معناه: كذبوا فكذبوا عبدنا، أي: كذبوه تكذيبا عقب تكذيب، كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب، أو: كذبت قوم نوح المرسلين فكذبوا عبدنا، ولما كانوا مكذبين للرسل جاحدين (٢٨٢ /ب) للنبوة رأسا كذبوا نوحا؛ لأنه من جملة الرسل. {وَازْدُجِرَ} وانتهر بالشتم والضرب.
وقيل:{وَازْدُجِرَ} زجرته الجن واختطفت فهمه وعقله، أي: فانتصر لي، وإنما دعا بذلك
(١) سورة غافر، الآية (٣٩). (٢) ينظر البيت في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ١٧٦)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٢٥)، العين للخليل (١/ ١٠١)، لسان العرب (نمر) و (هطع)، والمعنى: كان ذليلا لي فصار فوقي.