الأول وعبدوا الثاني، هذا وقد جاءت الأوامر من الله تعالى والأدلة القاطعة على أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه. {أَمْ لِلْإِنْسانِ} أو هل جعل الله لكل أحد أن يعبد ما تمناه؟ {فَلِلّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى} فهو يحكم فيهما بما يشاء. وكثير من الملائكة في السماوات لا يحصى عددهم لا تنفع شفاعتهم لأحد إلا بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة له {لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى} يقولون: أنثى بني فلان، وإذا قالوا: الملائكة بنات الله؛ فقد سموا كل واحدة منهن أنثى. {إِنْ يَتَّبِعُونَ} في دعوى إلهيتها {إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي} في أصول الدين والعقائد {شَيْئاً} لكنه يغني في مسائل الفروع؛ لأن الصحابة عملوا بالقياس وهو ظن.
{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا}{ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} وهو حذقهم في التجارات وتقليب المكاسب. {بِما عَمِلُوا} بعملهم أو بالذي عملوا. {كَبائِرَ الْإِثْمِ} هو ما قبح منها، ثم أعاد ذكر الفواحش تخصيصا بعد التعميم للمبالغة والتعظيم. وقيل: كبير الإثم: الشرك بالله. {اللَّمَمَ} ما قل وصغر، ومنه: المس من الجنون؛ تقول: ألم بالمكان: إذا قل لبثه فيه، وألم بالطعام: إذا قل منه أكله. وقيل:{اللَّمَمَ} ما لم يذكر الله له عقابا. وقيل: عادة التصيد الحين بعد الحين. {إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ}{إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}(١){فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} فلا تنسبوها إلى زكاء العمل، أو: فلا تثنوا عليها واهضموها؛ فقد علم الله الزكي منكم والتقي أولا وآخرا قبل أن يخرجكم من صلب آدم، وقبل أن يخرجكم من بطون أمهاتكم. وقيل: كان قوم يعملون بالطاعات ثم يقولون: صلاتنا وصيامنا، فنزلت (٢). وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب والرياء، فأما من اعتقد أن هذه
(١) سورة النساء، الآية (١١٦). (٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٢٦).