"لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها"(١) والمعنى: فكأن مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، فحذفت هذه المضافات. {أَوْ أَدْنى} على تقديركم.
{إِلى عَبْدِهِ} إلى عبد الله، وإن لم يجر لاسم الله ذكر؛ كقوله:{ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}(٢). {ما أَوْحى} تعظيم لما أوحى به إليه؛ كقوله:{فَغَشّاها ما غَشّى} قيل: أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك.
{ما كَذَبَ} فؤاد محمد ما رآه ببصره من صورة جبريل، أي: ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قالها لكان كاذبا؛ لأنه عليه السلام رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك {أَفَتُمارُونَهُ} مأخوذ من المراء، وهو المجادلة. وقرئ:"أفتمرونه"(٣) من: ماريته فمريته، أو لما فيه من معنى الغلبة عدي ب "على" كما تقول: غلبته على كذا. {نَزْلَةً أُخْرى} نصب نصب الظرف، أي: نزل عليه جبريل نزلة أخرى في صورة خلقته، فرآه عليها، وذلك في ليلة المعراج. {سِدْرَةِ الْمُنْتَهى} شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش، ثمرها كقلال هجر، وورقها كآذان الفيول، تنبع من أصلها الأنهار، يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، والمنتهى: بمعنى موضع الانتهاء، أو نفس الانتهاء؛ كأنها منتهى الجنة وآخرها. وقيل: لم يتجاوزها أحد، ولم تعلم الملائكة ما وراءها. وقيل: تنتهي إليها أرواح الشهداء. {جَنَّةُ الْمَأْوى} الجنة التي يصير إليها المتقون. وقيل: تأوي إليها أرواح الشهداء. {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى} أي: ستره بظلاله ودخل فيه، وعن عائشة أنها أنكرته وقالت: من قرأ بها فأجنّه الله (٤).
{ما يَغْشى} تعظيم وتكثير لما يغشاها، وقد تضمن ذكر هذه السدرة وجنة المأوى ذكر
(١) رواه البخاري رقم (٢٧٩٣)، وأحمد في المسند (٢/ ٤٨٢ - ٤٨٣). (٢) سورة فاطر، الآية (٤٥). (٣) قرأ بها حمزة والكسائي وخلف ويعقوب، وقرأ الباقون "أفتمارونه". تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ١٥٩)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣٣٥)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٦٨٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٠٦)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٦١٤)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٩)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٩٥). (٤) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٣٩).