وقال أبو علي الفارسي قولاً ثالثًا، قال: ليس الأمر كما ادّعاه من قال بتكرير اللفظ، لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن الإنسان عليه، وقيل: سُمِّيَتِ الآخرة معادًا، ولم يكن فيها أحدٌ ثم عاد إليها.
وقال الهذلي (١):
وعَادَ الفَتَى كالكَهْلِ ليس بقائلٍ ... سوى الحق شيئًا واستراحَ العواذِلُ
وهذا أيضًا ضعيف من وجوه:
أحدها: أن لفظ العود لابُدَّ أن يتضمن رجوعًا عن شيء أو إلى شيء، فقوله "وعاد الفتى كالطفل"، وقوله:
.... فعادَا بعدُ أبوالَا (٢)
وفي الحديث (٣): "تعاد روحها" هو رجوع عن حالٍ كانوا عليها إلى حال أخرى. فأما الأمر المبتدأ إذا فعله الإنسان فلا يقال: إنه عاد إليه.
وأيضًا فما ذكروه إنما هو في لفظ العود مجردًا، فماذا قيل: عاد إلى كذا، ورجع إليه، وعاد فيه، كما قال:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ)(٤)، وقال أصحاب الكهف: (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ
(١) أبو خراش الهذلي كما في "شرح أشعار الهذليين" (٣/ ١٢٢٣). وفي الأصل "كالطفل" تحريف. (٢) تمام البيت: تلك المكارمُ لا قَعبانِ من لبن ... شِيبا بماء فعادَا بعدُ أبوالَا وهو لأبي الصلت بن ربيعة الثقفي من قصيدة له، ويروى أيضا للنابغة الجعدي. انظر "سمط اللآلي" (١/ ٢٨١) و"طبقات فحول الشعراء" (١/ ٥٨، ٢٦٠ - ٢٦٢). (٣) أخرجه أحمد (٤/ ٢٨٧، ٢٨٨) وأبو داود (٤٧٥٣) عن البراء بن عازب ضمن حديث طويل. (٤) سورة المجادلة: ٨.