وإنما اختار من اختار الرباط بثغور النصارى للحديث الذي في سنن أبي داود (١) عن ثابت بن قيس قال: جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقال لها أُمُّ خَلَاّد وهي منتَقِبَةٌ تَسْأل عن ابنها وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جئْتِ تَسْألين عن ابنك وأنتِ منتقبةٌ! فقالت: [إن] أُرْزَأْ ابني فلنَ أُرْزَأَ حيائِي، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ابنُكِ له أَجْرُ شَهيدينِ". قالت: ولِمَ ذاكَ؟ قال:"لأنه قَتَلَه أهلُ الكتاب".
وهذا بعض [الأخبار التي] تبين فضيلة سُكْنَى الشام؛ فإن أهل الشام ما زالوا مُرَابطين من أوَّل الإسلام لمُجاورتهم النصارى ومجاهدتهم لهم، فكانوا مرابطين مجاهدين لأهل الكتاب. ولهذا فضَّل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُنْدَهم على جُنْد اليمن والعراق؛ مع ما قاله في أهل اليمن (٢).
ففي سنن أبي داود وغيره (٣) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:"إنكم ستُجَنَّدون أَجنادًا؛ جُندًا بالشام وجُندًا باليَمَنِ وجُندًا بالعراقِ"، قال: فقلت يا رسول الله! خِرْ لِي، فقال:"عليكَ بالشامِ، فإنها خِيرةُ الله مِن أَرْضِه، يَجْتَبِي إليها خِيرتَه مِن عبادِه، فمن أبي فليلحق بيمنه، وليسق من غُدُره فإن الله قد تكفَّل لي بالشامِ وأهلِه". قال الحوالي: ومن يتكفل الله به فلا ضيعةَ عليه.
(١) برقم (٢٤٨٨). (٢) أخرجه البخاري (٤٣٨٨) ومسلم (٥٢) عن أبي هريرة. (٣) أخرجه أحمد (٤/ ١١٠، ٥/ ٣٣، ٢٨٨) وأبو داود (٢٤٨٣) عن عبد الله بن حوالة.