منك ما يهلك قربًا بعد قرب، كما تقول: غفر الله ثم غفر الله لك، أي: غفر لك مغفرة بعد مغفرة، فليس هذا بتكرار محض، ولا من باب التأكيد اللفظي، بل هو تعدد الطلب لتعدد المطلوب، ونظيره: اضربه ثم اضربه.
وأما قوله سبحانه وتعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد: ١]، [فليس] من التكرار؛ لاختلاف مقصود الفعلين، فإنَّ الأول منهما دعاء يراد به الإنشاء، والثاني خبر، أي: تبت يدا أبي لهب وقد تبّ.
قال الفراء (١): «كما تقول: أهلكه الله وقد هلك».
وقال مقاتل (٢): «خسرت يداه بترك الإيمان وخسر هو».
وأما قوله سبحانه وتعالى:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: ١٣]، فتعديد ذلك في مقابلة تعديد الآلاء (٣).
وكذلك قوله سبحانه وتعالى:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات: ١٥]، فهي مع كل آية كأنها مع سورة مفردة، فلا تكرار، والله تعالى أعلم.
وأما قوله تعالى:{وَلَّى مُدْبِرًا}[النمل: ١٠]، وقوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
(١) في معاني القرآن له (٣/ ٣٩٨). (٢) رُوي نحوه عن قتادة، انظر: تفسير عبد الرزاق (٢/ ٤٠٦) والطبري (١٤/ ٧١٥). (٣) انظر: تأويل مشكل القرآن (ص ٢٣٩) والصناعتين (ص ١٤٤) وأمالي المرتضى (١/ ٨٦).