فيها العبدُ يُبعَث فيها، ولم يقل: إنه يُبعَث في أكفانه، فإن الكفن غير الثياب التي يموتُ فيها، فإن عامة الموتى لا يُكفَّنون في ثيابهم التي يُقبَضون فيها، لا سيما والكفن الذي كُفِّن فيه رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس فيه مما يُمسى فيه، فإنها لم يكن فيها قميصٌ ولا عمامةٌ، فإنه إذا عُرِفَ أن الحديث المأثور إنما هو أنه يُبعَث في ثيابه التي قُبض فيها، فقيل: يُبعَث في نفس الثوب الطاهر.
وقال طوائف من أهل العلم - كأبي حاتم وغيرِه -: إن المراد بذلك أنه يُبعث على ما مات عليه من العمل، سواء كان صالحًا أو سيئًا، كما قال أكثر المفسرين في قوله تعالى:(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)) (١) أن المراد به إصلاح العمل وتطهير النفس من الرذائل (٢). ومثل هذا كثير في كلامهم، كما قيل:
ثِيابُ بني عوفٍ طَهارَى نقية (٣)
ويقال:"فلانٌ طاهر الثياب". يؤيد هذا شيئان:
أحدهما: أن الذي جاء في الحديث أنه يُبعَث على ما مات عليه من خيرٍ وشرٍّ، كما جاء، فما خُتِم له به يُبعَث عليه، كما في حديث جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"يُبعَث كل عبدٍ على ما مات عليه".
(١) سورة المدثر: ٤. (٢) انظر تفسير الطبري (٢٩/ ٩١،٩٢) وابن كثير (٤/ ٤٧٠). (٣) عجزه: وأوجههُم عند المشاهدِ غُرَّانُ. والبيت لامرئ القيس في ديوانه: ٨٣.