وكذلك ما ورد من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك"(١).
وفي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها:"ألم تري أنَّ قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟ "، فقلت:"يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ "، قال:"لولا حدثان قومك بالكفر لفعلتُ"، فقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: "لئن كانت عائشة - رضي الله عنها - سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أُرَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك استلام الركنين الذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم"(٢).
هذه الأحاديث وغيرها تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مُشَرِّعًا بالترك، وأن الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا ينقلون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الترك كما كانوا ينقلون عنه الفعل سواء بسواء، وما ذاك إلا لما استقر في أذهانهم أن ذلك تشريع للأمة وبيان للأحكام، وأن الترك يتعلق به أحكام شرعية وثواب وعقاب وتكليف.
= الأحاديث الصحيحة، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، طبعة جديدة (١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م)]. (١) رواه البخاري (٤/ ٣٤٠ / ٢٠٥١) كتاب البيوع، باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات، وهذا لفظه، ورواه مسلم (٣/ ١٢١٩ / ١٥٩٩) كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، بلفظ قريب. (٢) رواه البخاري (٣/ ٥١٣ / ١٥٨٣) كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، ومسلم (٢/ ٩٦٨ / ١٣٣٣) كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها.