- ما رواه أبو سعيد - رضي الله عنه - أن أعرابيًّا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني في غائط مضبة، وإنه عامة طعام أهلي، قال: فلم يجبه ثلاثًا، ثم ناداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثالثة فقال:"يا أعرابي: إن الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض، ولا أدري لعل هذه منها فلم آكلها، ولم أنه عنها"(١).
قال بعض الحنفية: اختلفت الأحاديث وتعذرت معرفة المتقدم فرجحنا جانب التحريم (٢).
والرد عليهم: أن معرفة المتقدم ممكنة وليست متعذرة، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ولا أدري لعل هذه منها".
وهذا يقتضي أنه لم يوحَ له في ذلك بشيء، ثم أوحي له أنه ليس منهم، والدليل على ذلك ما ورد من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلًا قال:"يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ الله؟ "، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لم يهلك أو يعذب قومًا فيجعل لهم نسلًا"(٣).
قال ابن حجر: "والأحاديث وإن دلت على الحل فالجمع بينها وبين الحديث المذكور: حمل النهي فيه على أول الحال، ثم تجويز أن يكون مما مسخ،
(١) رواه مسلم (٣/ ١٥٤٦ / ١٩٥١) كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب. (٢) فتح الباري (٩/ ٥٨٤). (٣) رواه مسلم (٤/ ٢٠٥١ - ٢٠٥٢/ ٢٦٦٣) كتاب القدر، باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر.