من حيث إن الأمر في فعل ما لم يُسم فاعله يتوجه في الحقيقة إلى الفاعل المتروك ذكره. قال الإمام عبد القاهر الجرجاني: فقولك: لتُعن في معنى ليعُنك أمرُ حاجتي. الأمر كما يكون لغير الأمر فقد يقع للأمر.
فإن سألتَ: الأمر إنما يكون لغير الأمر أما أن يكون له فكيف يصح؟
أجبتُ: أما في قولك: لتضرب [نحن] الآن فكأنك قلت: لتضرب أصحابي وأنا معهم في الضرب كواحد منهم، وأمّا فيما إذا قلت: لأضرب أنا فمعناه: أنا المتعين لضرب المستعين بأعواني عليه.
قالَ جارُ اللَّهِ:" (فصل): وقد جاء قليلًا أن يؤمر بالفاعل للمخاطب بالحرف، ومنه قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- (١): {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}(٢).
قالَ المُشَرِّحُ: الأخفش: إدخالُ اللَّام في أمرِ المُخاطب لغةٌ رديئةٌ؛ لأنَّ هذه اللام إنما تدخل في الموضع الذي لا تقدر فيه على (أفعل) إذا خاطبت قلتَ قُم لأنك قد [استغنيت عنها](٣)، والأمر كما ذكره الأخفش، إلا أن من المواضع ما يحسن فيه الأمر باللام للفاعل المخاطب، وذلك إذا كان المأمور جماعة بعضُها غايبٌ وبعضُها مخاطبٌ كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لتأخذوا مصافكم" فالخطاب (٤) يفيد الخطاب واللام تفيد الغيبة فمجموع الأمرين مستفاد العموم، ولو قُلتَ: خُذوا مصافكم (٥) لأوهم خصوص الجماعة (٦) المخاطبة وعليه قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} الفاء في فلتفرحوا مزيدة كما في "فاجْزَعِيْ" من قوله (٧):
(١) القراءة في تفسير الطبري: ١١/ ٨٨، وإعراب القرآن للنحاس: ٢/ ٦٥. (٢) سورة يونس: آية: ٥٨. (٣) في (أ): "إذا استغلت … ". (٤) في نسخة: (ب) "فالتاء" مصححة على هامش النسخة. (٥) ساقط من (ب). (٦) شرح المفصل للأندلسي: ٣/ ٣٣٤. (٧) تقدم ذكره في الجزء الأول.