تخصيص في الخبر وهو مجمع عليه، إنما النزاع في النسخ وأين أحدهما من الآخر؟ وقد تقدَّمت الفروق بينهما (١) .
وأما قولهم: يوهم الخُلْف، فذلك (٢) مدفوع بالبراهين الدالة على استحالة الخُلْف على الله تعالى والبَدَاء عليه، والبداء هو أحد الطرق التي استدلت به اليهود على استحالة النسخ (٣) ، ومعناه: أمر بشيءٍ ثم بدا له أن المصلحة في خلافه، وذلك إنما يتأتى في حق من تخفى عليه الخفيات، والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك (٤) .
وجوابهم: أن الله تعالى عالم بأن الفعل الفلاني مصلحةٌ في وقتِ كذا مفسدةٌ في وقت كذا، وأنه ينسخه إذا وصل إلى وقت المفسدة، فالكل معلوم في الأزَل (٥) ، وما تَجَدَّدَ العلمُ بشيءٍ، [فما لزم من النسخ البداء، فيجوز](٦) .
(١) انظرها شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص ٢٣٠، وانظر: قواطع الأدلة ٣ / ١٨٢، الإحكام للآمدي ٣ / ١١٣، مناهل العرفان للزرقاني ٢ / ١٤٥. (٢) في س: ((ذلك)) والصواب المثبت كما في: ن، ق؛ لوجوب اقتران جواب " أمَّا " الشرطية بالفاء. انظر: مغني اللبيب لابن هشام ١ / ١٢٠، وانظر: القسم الدراسي ص ١٧٣. (٣) مع أنَّه قد ورد في التوراة المحرَّفة نصوص تتضمن نسبة البداء إلى الله، تعالى عما يقولون. جاء في سفر التكوين، الإصحاح: ٦ الفقرات: ٥ - ٧ ((ورأى الربُّ أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كلَّ تصوِّر فكرِ قلبِهِ يتَّسم بالإثم، فملأ قلبَه الأسفُ والحزن لأنه خلق الإنسان. وقال الرب: أمحو الإنسان الذي خلقته عن وجه الأرض مع سائر الناس والحيوانات والزواحف وطيور السماء، لأني حزِنْتُ أني خلقته)) . (٤) انظر: البحر المحيط للزركشي ٥ / ٢٠٦، ففيه شرح موسّع للبداء. (٥) الأزَل: القِدم، ومنه قولهم: هذا شيء أزَليٌّ، أي قديم، وأصل الكلمة قولهم للقديم: لم يَزَلْ، ثم نسِب إلى هذا، فلم يستقمْ إلا بالاختصار، فقالوا: يَزَلِيٌّ، ثم أبدلت الياء ألفاً، لأنها أخف، فقالوا: أزَلِيٌّ، كما قالوا في الرُّمْح المنسوب إلى ذِيْ يَزَن: أزَنِيٌّ. انظر: لسان العرب مادة " أزل ". (٦) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((فلم يلزم البداء من النسخ فجاز)) . (٧) في ق: ((النسخ فيما)) . (٨) في متن هـ، ق: ((افعلوا)) . (٩) الجواز هو مذهب الجمهور وبعض الحنفية. انظر: المعتمد ١ / ٣٨٢، قواطع الأدلة ٣ / ٨٣، التمهيد لأبي الخطاب ٢ / ٣٤٨، نهاية الوصول للهندي ٦ / ٢٣٠٤، كشف الأسرار للبخاري ٣ / ٣١٦، التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص ٢٦٣، وقد حكى الآمدي في الإحكام (٣ / ١٣٤) اتفاق الجمهور على ذلك.