أعوامك، وما مضى من عصرك، وما انقرض من دهرك؟ فقال: نعم، يا ابن أخي، أرأيت البيضة الفيحاء [١] التي جزعتها [٢] سائر يومك؟ فقلت: نعم، فقال: عهدي بها مجادل [٣] كالشناخيب [٤] ، مشرفات المحاريب، يرى الراكب شعافها من مسيرة ثلاثة أيام، محفوفة بالجحافل الململمة، والكتائب المسومة، على أبوابها الأحبوش، تهزّ الإلال [٥] ، تخوض إليها الآمال للأموال، بقناء ذي وثاب [٦] ، وما ذو وثاب، الأسد الضرغام الأبلج القمقام [٧] ، تخضع لهيبته الأذقان، وتذعر لصولته الجنّان [٨] ، عطاؤه إنعام، وأخذه اصطلام [٩] ، فعبر بذلك سبعين خريفا وأربعا، ثم شصا [١٠] له يوم من الدهر فبدّد شمل الرياش، وكدّر صفو المعاش، ثم اقتعد مطية تلك النعمة ذو هلاهلة [١١] ، فقمع الأضداد، وغمز الأنداد، وأنشأ المصانع [١٢] ، وبثّ الصنائع، عطاؤه غمر، وأخذه قهر، فعمّر بذلك أربعين عاما وأربعة من [٢٣ ظ] العدد، لا تروعه حادثة، ولا تعارضه هايثة [١٣] ، ولا تعيّن له عايثة [١٤] ، ثم كشّرت له عن أنيابها
[١] البيضة الفيحاء: الأرض المخصبة الواسعة. [٢] جزعتها: قطعتها. [٣] مجادل: قصور عالية، جمع مجدل. [٤] الشناخيب: رؤوس الجبال، جمع الشّنخوب والشنخوبة. (القاموس: شخب) . [٥] الإلال: الحراب العريضة النصل، أو اللامعة، واحدتها: ألّة. [٦] ذو وثاب: أحد حكام العرب في الجاهلية. [٧] القمقام: السيد الجامع للسيادة، الواسع الخير. [٨] الجنّان: ضرب من الحيات أكحل العينين، يضرب إلى الصفرة لا يؤذي، واحدها: جان، وفي التنزيل: (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ، وَلَّى مُدْبِراً) * (النمل ١٠) ، وفي الحديث: (إنّ فيها جنّانا كثيرا) . (المعجم الوسيط: جنن) . [٩] اصطلام: قطع واستئصال. [١٠] شصا: ارتفع وشخص. [١١] ذو هلاهلة: أحد حكام اليمن في الجاهلية. [١٢] المصانع: المباني من القصور والحصون والقرى والآبار وغيرها من الأمكنة العظيمة، وفي التنزيل: (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (الشعراء ١٢٩) . (١٣) الهايثة: الجلبة عند الخصومة. (١٤) العايثة: الأمر المفسد.