الدليل الثاني: لم يَزَل العلماءُ ينسبون أقوالَ الصحابةِ - رضي الله عنهم - إليهم، بناءً على الفعلِ الصادرِ منهم (١).
مناقشة الدليل الثاني: لا يُسلَّم بأنَّ ما ذكروه هو منهج العلماءِ في الفعلِ الصادرِ مِن الصحابةِ - رضي الله عنهم -، وما ذكروه داخلٌ في محل النزاع؛ وهو دعوى تحتاجُ إلى دليلٍ (٢).
الدليل الثالث: أنَّ في طبائعِ البشرِ التأسيَّ بفعلِ مَنْ يعظمونه، لا يقدرون على الانفكاكِ عنه بوجهِ، وقد ظَهَرَ هذا في عهدِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، حين دعا قومَه إلى الإيمانِ، كان بعضُ مَنْ كَفَرَ قد تمسَّكَ بالتأسيِ بالآباءِ، كما قالَ الله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}(٣).
وكذلك الصحابةُ - رضي الله عنهم - اقتدوا بفعلِه - صلى الله عليه وسلم -، بلْ رُبَّما تَرَكَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - قولَه لفعلِه، كما جاءَ هذا لما نهاهم عن الوصالِ (٤)، فلم ينتهوا، واحتجوا بأنَّه - صلى الله عليه وسلم - يواصل (٥)، فكانوا يبحثون عن أفعالِه - صلى الله عليه وسلم -، كما يبحثون عن أقواله.
وإذا كانَ هذا شأنُ الفعلِ؛ فيستبعد على العالم أنْ تُقْدِمَ على فعلِ، ويرى الناسَ حولَه يقتدون بفعلِه، ولا يكون فعلُه موافقًا لرأيه (٦).
(١) انظر: تهذيب الأجوبة (١/ ٤١٤). (٢) انظر: تحرير المقال للدكتور عياض السلمي (ص/ ٣٦)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ ٢٢٨ - ٢٢٩). (٣) من الآية (٢١) من سورة لقمان. (٤) الوصال: أن لا يفطر الصائم بين اليومين. انظر: بدائع الصنائع للكاساني (٢/ ٧٩)، والبحر الرائق لابن نجيم (٢/ ٢٧٨)، وكشاف القناع للبهوتي (٥/ ٣٣٩). (٥) أخرج حديث وصال النبي - صلى الله عليه وسلم - ونهيه للصحابة - رضي الله عنهم -: البخاري في: صحيحه، كتاب: الصوم، باب: بركة السحور من غير إيجاب (ص/ ٣٦٤)، برقم (١٩٢٢)؛ ومسلم في: صحيحه، كتاب: الصيام، باب: النهي عن الوصال في الصوم (١/ ٤٩٠)، برقم (١١٢) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. (٦) انظر: الموافقات (٥/ ٢٦٢ - ٢٦٥)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ ٢٢٧)، ونظرية التخريج للدكتور نوار بن الشلي (ص/ ١٣١).