- وقول الموفق بنِ قدامة في فاتحةِ كتابِه (المغني)(١) عن الأئمة المجتهدين: "اتفاقُهم حجةٌ قاطعةٌ، واختلافُهم رحمةٌ واسعةٌ".
السادس: ليس الاختلافُ في الفقهِ والفروعِ مِن الاختلافِ المنهيِّ عنه (٢)، لنخرجَ عنه بتوحيدِ المذاهب، بل إنَّ الاختلافَ فيها موجود منذُ زمنِ الصحابةِ - رضي الله عنهم - (٣)، ولم يدعُ أحدٌ مَنهم إلى توحيدِ الأقوالِ (٤).
ويدل على أنَّ الاختلافَ في الفروعِ ليس بمذموم حتى مع وجودِ النصِّ المحتمل: حديثُ عبدِ الله بنِ عمر - رضي الله عنهما - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لصحابته - رضي الله عنهم - (لا يُصلينَّ أحَدٌ العصرَ إلا في بني قريظة). فادرك بعضُهم العصرَ في الطريقِ، وقال بعضُهم:"لا نصلي حتى نأتيها". وقال بعضُهم:"بلْ نصلي؛ لم يُرِد منَّا ذلك". فَذُكِرَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يُعَنّفْ واحدًا منهم (٥).
= العلم وفضله (٢/ ٩٠١)، برقم (١٦٩٨)، وقال عقيبه: "هذا فيما كان طريقه الاجتهاد". والدارمي بنحوه في: المسند، في المقدمة، باب: اختلاف الفقهاء (١/ ٤٨٩)، برقم (٦٥٢). وقال ابنُ حجر في: المطالب العالية (١٢/ ٦٠٠) عن الأثر: "صحيح مقطوع". وعلَّق تقيُّ الدين بنُ تيمية في: مجموع الفتاوى (٣٠/ ٨٠) على قول عمر بن عبد العزيز، فقال: "لأنهم إذا اجتمعوا على قولٍ، فخالفهم رجلٌ كان ضالًا، وإذا اختلفوا، فأخذ رجلٌ بقول هذا، ورجلٌ بقول هذا، كان في الأمر سعة". وانظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (٢/ ٩٠٢)، وجزيل المواهب في اختلاف المذاهب للسيوطي (ص/ ٢١). وقارن بالعَلَم الشامخ للمقبلي (ص/ ٤٨٥). (١) (١/ ٤). وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٣٠/ ٨٠). (٢) انظر: الفقه الإسلامي ومدارسه لمصطفى الزرقا (ص/ ٨٤ - ٨٥)، ونقاط الالتقاء بين المذاهب الإسلامية للدكتور وهبة الزحيلي (٤/ ١٧٠) ضمن موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر. (٣) انظر: جزيل المواهب في اختلاف المذاهب للسيوطي (ص/ ٢٥). (٤) انظر: نقاط الالتقاء بين المذاهب الإسلامية للدكتور وهبة الزحيلي (٤/ ١٧١) ضمن موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر. (٥) أخرج حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: البخاري في: صحيحه، كتاب: صلاة الخوف، باب: صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً (ص/ ١٨٩)، برقم (٩٤٦)، واللفظ له؛ ومسلم في: صحيحه، كتاب: الجهاد والسير، باب: مَنْ لزمه أمرٌ، فدخل عليه أمر آخر (٢/ ٨٤٨)، برقم (١٧٧٠). =