• وإنْ كان غرضُه مِنْ مناظرتِه نصرةَ المذهبِ، وإفحامَ المناظِر، بغضِّ النظرِ عمَّا أيّده الدليلُ ورجَّحه، فهي مذمومةٌ (١).
ويتحدثُ أبو حامدٍ الغزالي (ت: ٥٠٥ هـ) عن حالِ بعضِ المتناظرِين في مناظراتِهم في عصرِه، فيقول:"تَرَكَ الناسُ ... فنونَ العلمِ، وانثالوا (٢) على المسائلِ الخلافيةِ بين الشافعي وأبي حنيفةَ على وجهِ الخصوصِ، وتساهلوا في الخلافِ مع مالكٍ وسفيانَ وأحمدَ - رحمهم الله تعالى - وغيرِهم، وزعموا أنَّ غرضَهم استنباطُ دقائقِ الشرعِ، وتقريرُ عللِ المذاهبِ، وتمهيدُ أصولِ الفتاوى، وأكئروا فيها التصانيفَ والاستنباطاتِ، ورتّبوا فيها أنواعَ المجادلاتِ والتصنيفاتِ - وهم مستمرون عليه إلى الآن، ولسنا ندري ما الذي يُحْدِثُ اللهُ فيما بعدنا مِن الأعصار؟ ! - فهذا الباعثُ على الإكبابِ على الخلافياتِ والمناظراتِ لا غير ... "(٣).
ثمَّ ساقَ أبو حامدٍ ثمانيةَ شروط للحُكمِ على المناظرةِ بأنَّها جائزة (٤)، وساقَ أيضًا الآفاتِ المترتبة عليها إنْ كان قصدُ المتناظرين الغلبةَ، وإفحامَ
(١) انظر: الكافية في الجدل لإمام الحرمين (ص/ ٢٢ - ٢٣). (٢) انثالوا: انصبّوا. انظر: لسان العرب، مادو: (نثل)، (١١/ ٦٤٥). (٣) إحياء علوم الدين (١/ ٧١). وانظر: الدر النضيد في أدب المفيد للغزي (ص/ ٢٢٦)، وحجة الله البالغة للدهلوي (١/ ٤٦٩ - ٤٧٥)، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي (١/ ٢٧٨، ٢٨١)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (٣/ ١٤٥)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ ٣٣٤ - ٣٣٥). (٤) انظر: إحياء علوم الدين (١/ ٧٢ - ٧٥). وقد ساق عدد من المؤلفين الشروط التي ذكرها الغزالي، انظر على سبيل المثال: إتحاف السادة المتقين للزبيدي (١/ ٢٨٢ - ٢٩٢)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (٣/ ١٤٥ - ١٤٧)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ ٣٣٥ - ٣٣٨)، وبدعة التعصب المذهبي لمحمد عباس (ص / ٢١٠ - ٢١١)، والمذاهب الفقهية الإسلامية لمحمد تاجا (ص/ ١٨٢ - ١٨٣)، والمدخل للتشريع الإسلامي للدكتور محمد النبهان (ص/ ٣٤٨ - ٣٤٩)، والجديد في تاريخ الفقه للدكتور محمد مصطفى (ص/ ٢٣٩)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور حسن الشاذلي (ص / ٣١٢)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور شوقي الساهي (ص/ ١٢٥)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ ١٦٦)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عمر الأشقر (ص/ ١٧٠).